خبراء يعددون أسباب ارتفاع وتيرة إفلاس مقاولات البناء والأشغال العمومية
منذ ١٠ ايام    هسبريس
رسم تقرير لمرصد المقاولات الصغرى والمتوسطة “أنفو ريسك” صورة قاتمة حول مستقبل المقاولات الناشطة في قطاع البناء والأشغال العمومية برسم 2024، إذ حمل توقعات ببلوغ إجمالي عدد المقاولات المفلسة 16 ألفا و400 مقاولة بنهاية السنة، فيما يترقب أن يتمركز القطاع المذكور ثاني أكثر القطاعات تضررا بعد التجارة. ورغم دخول القانون المتعلق بآجال الأداء حيز التنفيذ فإن وتيرة إفلاس مقاولات قطاع البناء والأشغال العمومية ما فتئت تتصاعد منذ السنة الماضية، إذ تحفل المحاكم التجارية اليوم بعدد ضخم من طلبات التسوية والتصفية القضائية. ويتعلق الأمر بوضعية مالية صعبة تعيشها هذه المقاولات، التي تمثل عصب الاستثمار في البنيات التحتية والمشاريع العقارية. وتعددت أسباب الوضعية المالية الصعبة لمقاولات البناء والأشغال العمومية بين ارتفاع أسعار المواد الأولية وركود الأوراش، والمنافسة القوية في الصفقات العمومية، وكذا ضعف الولوج إلى التمويل البنكي؛ ناهيك عن سوء التدبير الإداري الذي شكل ضغطا على خزينة عدد مهم من مقاولات القطاع، خصوصا الصغيرة والمتوسطة، وأدى في النهاية إلى إعلان إفلاسها. آجال الأداء سلطت الدورية رقم 734 الخاصة بآجال الأداء في المغرب، الصادرة عن المديرية العامة للضرائب، الضوء على جوانب مهمة في التصريح بالفواتير والالتزامات التي تقع على المقاولات، خصوصا الناشطة في قطاع البناء والأشغال العمومية، في ما يتعلق بالمدفوعات، في سياق تنظيم عمليات الأداء بين المقاولات والحد من الائتمان البيني، الذي وصل إلى مستوى يثير القلق. ويتعلق الأمر هنا بما قيمته 400 مليار درهم. ووفقًا للدورية يجب على المقاولات الامتثال لآجال الأداء في علاقتها بمورديها، التي حُددت عند 60 يوما اعتبارا من نهاية شهر التسليم، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق خاص بين الأطراف. وفي بعض القطاعات يمكن تمديد هذه المهل إلى 120 يوما، أو حتى 180 يوما بواسطة التنظيم المسبق، علما أن مقاولات البناء والأشغال العمومية ترتبط بعلاقات وثيقة بمنظومة من المزودين ومقدمي الخدمات. وبالنسبة إلى مهدي مطالب، خبير محاسب متخصص في إعادة هيكلة المقاولات، فإن “الممارسة الفعلية لا تتطابق تماما مع النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بآجال الأداء رغم العقوبات المفروضة على المخالفين، ذلك أن ارتفاع أسعار الحديد والإسمنت مثلا تسبب في تطور تكاليف الإنتاج، وأثر سلبا على السيولة المالية للمقاولات، وشكل ضغطا على خزينتها، ما أجبرها على عدم الوفاء بالتزاماتها تجاه مزودين، وتسبب في تنامي المدفوعات البينية إلى مستويات قياسية، أدت في النهاية إلى إفلاس مقاولات وموردين كذلك، خصوصا الصغار منهم”. وأضاف مطالب، في تصريح لهسبريس، أنه “رغم الآجال الجديدة الملزمة للأداء فضلت مقاولات ناشطة في قطاع البناء والأشغال العمومية اتخاذ إجراءات للحفاظ على علاقات جيدة مع مورديها”، موضحا أن “الأمر يتعلق بتضحيات قدمتها هذه المقاولات من أجل إقامة اتصال واضح ومنتظم مع الموردين، وضمان الأداء مقابل الفواتير في الوقت المناسب والامتثال لالتزامات الأداء”، مشيرا إلى أن “سوء تدبير الخزينة، من خلال ضعف التنبؤ بتدفقات النقد والتخطيط لعمليات الأداء ساهم في توتر العلاقات مع الموردين، وأدى بمقاولات إلى الإفلاس”. ضعف التمويل صنفت البنوك شركات البناء والأشغال العمومية ضمن “الزبائن بهوامش مخاطر عالية”، إذ سجلت المؤسسات الائتمانية تنامي منسوب القروض معلقة الأداء قي صفوف هذه الفئة خلال الفترة الماضية، بعلاقة مع ركود القطاع العقاري، وتراجع عدد الأوراش العمومية، وتطور مستوى المنافسة بين الفاعلين، خصوصا المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تمثل النسبة الكبرى في السوق. وأوضح مراد عينون، مهندس مدني وصاحب شركة للبناء والأشغال العمومية، أن أغلب شركات البناء والأشغال العمومية، الصغرى والمتوسطة، سجلت حالات عسر في الأداء في عقودها التمويلية مع بنوك خلال الفترة الماضية، بارتباط مع ظروف القطاع، وتطور أسعار مواد البناء وتكاليف الإنتاج، وطول آجال الأداء، علما أن عددا منها شكلت موضوع متابعات قضائية، بعدما انسحبت من مشاريع وتعاقدات دون استكمل أشغالها أو تسليمها. وأضاف عينون، في تصريح لهسبريس، أن “مقاولي البناء في المغرب واجهوا تحديات كبيرة في ما يتعلق بالتكاليف المرتفعة للمواد الأولية والعمالة، بالإضافة إلى الضغط المالي لتنفيذ المشاريع في الوقت المحدد؛ ما جعل الحصول على التمويل البنكي ضرورة حيوية لاستمرار العمل وتحقيق الأرباح”، موضحا أن “البنوك سجلت تشددا في تدابيرها الاحترازية، من خلال فرضها ضمانات قوية وكفاءة مالية مثبتة لتقديم التمويل لمقاولات البناء والأشغال العمومية”. وبالنظر إلى طبيعة القطاع، يضيف المتحدث ذاته، “قد تكون هذه الضمانات غير متوفرة بالسهولة المطلوبة، ما جعل من الصعب على بعض المقاولات الوصول إلى التمويل البنكي، وأدى في النهاية إلى إفلاس عدد مهم من المقاولات، إذ لم تتمكن خزائنها من مقاومة الضغوط التضخمية والمنافسة الشرسة في السوق”. مشاكل قانونية واجهت مقاولات البناء والأشغال العمومية صعوبات في مواجهة التشريعات والإجراءات البيروقراطية التي تحكم صناعة البناء، إذ تتطلب بعض هذه الإجراءات والتراخيص وقتا طويلا ومصاريف إضافية، ما أثر سلبا على قدرتها في الوصول إلى التمويل البنكي بشكل سريع وفعال. وأكد محسن دامو، محام بهيئة الدار البيضاء، متخصص في قانون الأعمال، أن عددا مهما من ملفات طلبات التسوية والتصفية القضائية المقدمة من قبل مقاولات للبناء والأشغال العمومية مرتبطة أساسا بمشاكل إدارية وتنظيمية، تتعلق باستغلال أوعية عقارية والحصول على تراخيص للبناء والسكن، وكذا اختلالات في تسليم مشاريع وضمانات ما بعد التسليم، موضحا أن “أغلب المقاولات الصغرى والمتوسطة في هذا القطاع غير واعية بأهمية الاستعانة بخدمات للاستشارة الخارجية والقانونية قبل التعاقد حول صفقات عمومية أو خاصة، أو الالتزام بمشاريع”. وأضاف دامو، في تصريح لهسبريس، أن “مقاولات البناء والأشغال العمومية واجهت خلال الفترة الماضية مشاكل قانونية متنوعة ومتعددة الأبعاد، ارتبطت بالعقود، والتأخيرات في التنفيذ، والمطالبات القانونية بين الأطراف، وغيرها من الجوانب القانونية المتعلقة بالبناء والأشغال العمومية”، مؤكدا أن “تأثير هذه المشاكل القانونية كان مدمرا على الوضعية المالية للمقاولات، وذلك لعدة أسباب، مرتبطة بارتفاع التكاليف القانونية التي شكلت عبئا إضافيا على ميزانيتها وقللت من الأرباح المتوقعة؛ فيما تسببت تأخيرات التنفيذ في تباطؤ تحصيل الدفعات المستحقة، ما أثر سلبا على التدفق النقدي وقدرة المقاولات على تمويل مشاريعها الجديدة، وسداد التزاماتها المالية الحالية”. وأشار الخبير القانوني ذاته إلى “اضطرار مقاولات للبناء والأشغال العمومية إلى اللجوء إلى التسوية الخارجية في بعض الحالات، من أجل تخفيف عبء المشاكل القانونية المتورطة فيها”، مؤكدا أن “هذا الأمر أجبرها على دفع مبالغ مالية إضافية أو قبول شروط غير مريحة، ما أثر سلبا على أدائها المالي، واضطرها في حالات كثيرة إلى توقيف النشاط”. The post خبراء يعددون أسباب ارتفاع وتيرة إفلاس مقاولات البناء والأشغال العمومية appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.