حرق اللعبة الصهيونية
منذ ١٠ ايام    موقع العهد الأخبارى
نحن في معركة الصمود والصبر وتراكم الإنجازات، ومعركة الوقت للمقاومة وشعوبها لإلحاق الهزيمة بالطغاة. سماحة السيد حسن نصر الله، الخطاب الثاني بعد طوفان الأقصى المبارك، 11 تشرين الثاني 2023. إن أي نقاش أمين ومسؤول في الصراع العربي - الصهيوني في مرحلته الحالية، والجارية تحت عنوان طوفان الأقصى المبارك، لا بد وأن يضع في حسبانه أولًا أن القصّة الأساسية قد انفتحت معها جبهات جديدة، تمثل كلّ منها قصة مستقلة بذاتها وإجراءاتها ودرجة اشتباكها. وهي مع ذلك كلها نابتة من أصل واحد وحدة الساحات. وفي هذه القصّة؛ الأبطال كُثر، كما الخونة، مرض الأمة وابتلاؤها، وإنه إذا كانت هناك محاولة لرسم صورة حالية لما وصل إليه الصراع، وما هو ذاهب بكلّ تطوّراته إليه، فإنه يكون بالعودة في كلّ وقت إلى يومي 7 و8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. في اللحظة الأولى تمامًا لمعركة طوفان الأقصى تهاوت على الفور أول أسطورة صهيونية حكمت المنطقة كلها طوال 75 عامًا، أي منذ نشأتها، وهي استراتيجية الردع. كان الكيان يعتمد في الجزء الأكبر من نظرية الأمن على عامل استباقي هو ردع كلّ دولة عربية على حدة، وردع كلّ الجبهات العربية معًا، بشكل كبير. ويعرّف الردع على أنه استخدام التهديدات صراحة أو ضمنًا، من دون اللجوء إلى السلاح، لمنع طرف ما من اتّخاذ إجراء يصنّف ضمن الصراع العسكري، مع تأكد الطرف المردوع من وجود تهديد حقيقي موثوق به برد غير مقبول أو الاعتقاد بأن تكلفة الإجراء تفوق الفوائد المتصورة، ويعتمد نجاح الفكرة على عامل نفسي حساس هو اللعب على وتر نفسية الخوف من المواجهة عند الطرف المردوع. هذا التعريف البسيط والموجز كذلك يعدّ مثل اختبار ورقة عباد الشمس الحاسم لطبيعة الأنظمة والكيانات والعقائد التي قادت العمل العربي المباشر ضدّ كيان العدو. في كلّ الحروب العربية - الصهيونية كان الطرف العربي تحت تأثير بناء هذا الوهم/ الأسطورة، كان العالم العربي خائفًا نفسيًا، وكان يرى الذهاب إلى الميدان هو الحل الأخير أو الهدف غير المطلوب على الإطلاق، كان السلاح العربي يدخل مرغمًا إلى الحرب مرتعشًا مهتزًا فاقدًا الثقة في نفسه، كما هو يرى افتقاد قيادته لها. أول مسمار في نعش استراتيجية الردع كان الميلاد المبارك للمقاومة الإسلامية في لبنان في العام 1982، جاءت المقاومة بعالمها إلينا، كأنما هبطت على واقعنا الكئيب عشية الاجتياح الصهيوني لعاصمة عربية ثانية، في وقت وقف الجميع مشاركين بالعجز والصمت المهين على الفجور الصهيوني الذي لم يكن لهم طاقة لإقناع أنفسهم بمواجهته، كانت لعبة الخوف التي يمارسها الجيش الذي لا يقهر ناجحة إلى أبعد مدى، ربما يحق لها أن تصنّف أضخمَ خدعة في التاريخ، العربي على الأقل. بعد هذا التاريخ بـ 42 عامًا، وبالضبط في لحظة علوٍّ صهيوني غير مسبوقة، تصورت أنها امتلكت مفاتح المنطقة، وأصبحت بتفويض جنرالاتها وحكامها وشيوخها وأمراء نفطها هي المدير العام لمنطقة الشرق الأوسط، وإنها ذاهبة بالعالم العربي كله إلى زمن صهيوني جديد، بعد قنبلة محمد بن سلمان ولي عهد السعودية بإعلان مشروع - ه - للتطبيع، بشكل أدق مشروع كوشنير، وبدا أن خطوط الدفاع البعيدة في العالم العربي تهاوت وسقطت، بعد أن قفز الصهيوني فوق حواجز الجغرافيا، وحطم مقدسات الانتماء وهتك محرمات الدين في هذه المنطقة، بمشاركة كاملة من كلّ الأنظمة التابعة للأميركي وعلى عينها. في السادسة من صباح يوم السبت السابع من تشرين الأول الماضي، وجهت فصائل المقاومة الفلسطينية في غزّة أكبر وأعمق وأجرأ ضربة إلى العدو، واليوم ونحن واقفون عند عتبات الشهر السابع للقتال، فإن أي تقويم نزيه لهذه المعركة المقدسة لا بد وأن يرى نتائج حاسمة تحققت منذ اللحظة الأولى، أن الكيان الذي كان يظن أنه تحول إلى إمبراطورية حاكمة في الإقليم وعليه انتهت قصتها قبل أن تبدأ، وكان أيضًا أن جدار الردع الصهيوني قد احترق في ساعة من نهار، تحت سياط الضربات الفلسطينية المقتدرة المدمرة. في اليوم التالي، 8 تشرين الأول، انخرطت المقاومة الإسلامية (حزب الله) في المعركة، ضمن استراتيجية محور المقاومة لـوحدة الساحات. في هذا اليوم تحديدًا؛ تبخر أي خيط وهم متبقٍ من استراتيجية الردع الصهيونية، وتحولت القوّة العظمى الأقليمية إلى لوحة تصويب عارية، أمام المقاومة العراقية وأمام اليمن، وأخيرًا انكشفت ذاتيًا كلّ كوامن ضعفها وخوائها في مواجهتها الفارقة أمام الجمهورية الإسلامية، لكن الأخيرة المهيبة تستحق مساحة وحدها، في وجه هجمة ذئاب الطائفية وذباب الهزيمة. لسنوات طويلة جدًا وكئيبة، كان السقف الأقصى لطموحات وآمال أغلب الشعوب العربية التي تُحكم عبر أنظمة تابعة أو مطبّعة، أو كليهما معًا، أن تُقطع العلاقات مع العدوّ الصهيوني، أو أن تسقط اتفاقيات الخيانة والاستسلام الرسمية معه، فقط لا أكثر.. هذه الذهنية العربية الخائفة لم تردّد كلمة الحرب أو تحرص على إدخالها إلى قاموس الشارع العربي، لأنها هي الأخرى كانت أحزابًا ونخبًا وشخصيات مهزومة نفسيًا، البندقية هي من أعادت علينا تلاوة آيات الجهاد والمواجهة والسلاح، أعادت إلينا الحق الإنساني البسيط في الحلم بالنصر. ويكفي الثلة الشريفة من أبناء هذه الأمة هذا الإنجاز الفريد ليخلد مآثرها الجليلة في هذه المعركة الذي حوّل وبدّل الروحية العربية من حال الخنوع والرضوخ إلى روحية ترى بشائر انتصار وتحرير. ليس جديدًا ولا مصادفة حسنة أن توجه المقاومة الفلسطينية، يوم الجمعة 20 نيسان/أبريل، ضربات صاروخية جديدة من وسط مدينة غزّة العزيزة الصامدة إلى قلب كيان العدو، ما يزال المجاهدون من أبناء هذه الأمة على موعدهم من الشرف ومع المجد ومع النصر، حين يأتي وقت كتابة هذا التاريخ فإنّ أول ما فيه أن مدينة صغيرة كانت هي طاقة النور لأمتها، وقدمت هي لنا دروس التاريخ كلها، ومن أولها، بأبطال من لحم ودم وكرامة وإيمان، وأننا في هذا الزمن ومع هذه المقاومة نستطيع أن نكسر واقعنا في كلّ بلد عربي على امتداد الخريطة.