أميركا ومهزلة "حقوق الإنسان"
منذ ١٠ ايام    موقع العهد الأخبارى
طمأن وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية انطوني بلينكن العالم، يوم الأمس، أن لا ازدواجية في المعايير الأميركية حيال حقوق الإنسان بين غزّة وإسرائيل. وقال إن بلاده: تواصل النظر في تقارير تتحدث عن انتهاكات ترتكبها إسرائيل في ملف حقوق الإنسان؛ كما أكَد أنّ ما يجري يشكّل تأثيرًا سلبيًا على حقوق الإنسان في إسرائيل. وبالطبع، تلقّفت الأدوات الأميركية من عبيد ومرتزقة وأبواق التصريح بسرور بالغ، وغفوا ملء عيونهم؛ فلولا هذه الطمأنة، لبدت أرقام المئتي يوم من العدوان الوحشي على غزّة مهولة، ولكانت مشاهد الإبادة التي نُقلت إلى كلّ العالم على مدى ستة أشهر كفيلة بصفع الضمير الإنساني برمّته، حيث تصبح هي المعيار الوحيد في تحديد إذا ما كان المرء إنسانًا أو سوى ذلك! في اليوم الذي أتمّ فيه العدوان المئتين، بلغ عدد الشهداء ٣٤١٥١ شهيدًا، غالبيتهم من الأطفال والنساء والعُجّز، من المدنيين الذين منذ بداية العدوان ينزحون من زاوية إلى أخرى في غزّة، ولا مفرّ لهم من الإبادة؛ ٧٧٠٨٤ إصابة جلّها تعرّض أو معرّض لبتر في أحد الأطراف، والكثير منها أدّى أو يؤدّي إلى تأثيرات دائمة، والكثير منها أيضًا من أُجريت له العمليات الجراحية المستعجلة من دون تخدير. وهذه الأعداد ليست نهائية، فشهداء كثر ما يزالون تحت الرّكام، وكثير من الجرحى ذوي الإصابات غير القاتلة لم يتسنّ لهم الحصول على المساعدة الطبية .. ٣١٠٠ مجزرة اُرتكبت على مرأى العالم وكاميراته. أكثر من مليونيّ نازح.. أكثر من ١٧٠٠٠ طفل تشرّد أو تيتّم.. أكثر من ٥٠٠٠ آلاف معتقل.. هذه الأرقام المقترنة بألاف المشاهد التي وثّقت لا تكفي بالنسبة إلى الخارجية الأميركية، ولن تكفي حتّى لتقديم خطاب دبلوماسي يراعي محاولات الأميركيين إخفاء حقيقة كونهم طرفًا في المعركة. فالأمر منوط بالتقارير! والتقارير هذه قيد الدرس والملاحظة، لعلّ  تبيّن مثلًا أنّ ما جرى في مجمّع الشفاء لا يرقى بوحشيّته إلى ما يُشكّل مسًّا بحقوق الإنسان. وطبعًا، حين يبلغ الحديث كلمة إسرائيل، تختلف الإجراءات الكفيلة بتأكيد أو نفي فعل ما: القاعدة بسيطة: إسرائيل لا تُخطىء، وإن أخطأت فمعذورة! وكي يثبت بلينكن عدم ازدواجية معايير ادارته، أكّد، دونما حاجة إلى تقارير طبعًا، أنّ الحرب تترك تأثيرًا سلبيًا على ملف حقوق الإنسان في إسرائيل. ويكفي أن يُلمح في زاوية صورة مستوطنًا يبكي رُعبًا، كي تتثبّت الإدارة الأميركية، بقناعها الحياديّ، أنّ حقوق الإنسان المستوطن مُست بسوء بشكل يُشكّل سببًا كافيًا لارتكاب جرائم الإبادة! ليس متوقّعًا من الأميركي، الطرف الأصيل في هذه الحرب أن يوحّد معاييره، ولا ينتظر أحد معاييره أصلًا لتُقاس بها الانتهاكات المشهودة؛ فالمعايير ليست بيد المعتدين، ولو كانت كذلك لكان بالإمكان القول إن الإبادة والقتل وارتكاب المجازر والتجويع والتهجير وكلّ ذلك هي عناوين أساسية في شرعة حقوق الإنسان، وشروطًا يجب تنفيذها كي ينال المرء شهادة باحترام الحقوق موقّعة دوليًا. إنّ مسرحية الوسيط أو الجهة المؤثّرة ولكن لا تمتلك القرار،ـ والتي تؤديها أميركا بركاكة شديدة، لم تنطلِ إلّا على الأغبياء والأدوات، لكنّ ما يُزعج حقًّا في حديث بلينكن، هو الظهور بمظهر التافه الذي تتناقض أقواله في جملة واحدة، ما يدفعنا إلى توقّع المزيد من التفاهات والتناقضات الغبية على ألسنة أدواته الذين إن كان ربّ بيتهم يطبّل على هذا المستوى من التفاهة، فرقصهم لا بدّ سيكون أقبح بعد وأوقح ممّا رأينا منه في مئتي يوم.