مصادر الخطر على «الهوية الوطنية»
منذ ١٢ يوم    الإتحاد
على مستوى دول مجلس التعاون تدور منذ مدة ليست بالقصيرة حوارات ونقاشات حول الهوية الوطنية وإمكانية تعرضها لمخاطر تنخر في تكوينها قادمة من وراء الحدود. هذه المخاطر تتسبب فيها عوامل عدة تعود إلى نزوح العديد من البشر والثقافات إلى دول المجلس واختلاطها مع المواطنين الأصليين في الدول الست. جميع من أدلى بدلوه حول الموضوع من مواطني دول المجلس يتحدثون عن وجود مخاطر على الهوية الوطنية في الدول الست دون استثناء إلا واحدة كتبت ونشرت تقول بعدم وجود مخاطر من هذا النوع وفي المطلق، وهذا أمر مستغرب وله محاذيره الخطيرة لأن المقالة التي أشير إليها كُتبت رداً على مقالة أخرى كتبت حول الموضوع تؤكد على وتصب في خانة وجود هذه المخاطر التي تؤثر سلباً على كينونة الهوية الوطنية الخليجية آتية من عوامل عدة. مصادر الخطر على الهوية الوطنية القادمة عبر الحدود تشمل موجات الهجرة والنزوح إلى الداخل، وقدوم ثقافات غريبة للامتزاج بالثقافة المحلية، ومفاهيم جديدة حول العديد من الأمور المؤثرة على الثوابت، واستجلاب تقنيات المعلومات الجديدة، ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي العابرة للحدود دون رقابة على محتوياتها، وأنماط التعليم المستوردة وقدوم اللغات الأجنبية وتعليم أبناء المواطنين هذه اللغات على حساب اللغة العربية، والبراجماتية المثالية التي نتعامل عن طريقها مع المؤثرات الجديدة على الثقافة العربية - الإسلامية، هذا بالإضافة إلى التأثيرات القوية لمقولات العولمة الجديدة. وحقيقة أن كاتبكم ومحدثكم يقف مع وجهة النظر القائلة بوجود مخاطر آنية ومستقبلية على الهوية الوطنية والثقافية لشعوب دول مجلس التعاون الخليجي، آتية من جميع المخاطر المسطرة أعلاه، وهي واضحة ومكشوفة ومن مخاطر أخرى قد تكون خافية علينا في هذه المرحلة. لكن ما أستغربه بشدة هو حديث من يقولون بعدم وجود هذه المخاطر في المطلق، وكأنهم يريدون تحذير دول وشعوب المنطقة بشأنها. ومن يقولون بعدم وجود مخاطر على الهوية الوطنية والثقافية لشعوب دول المجلس إما أنهم يتجاهلون الحقائق الأساسية في تكون وصيرورة هذه الدول كدول - وطنية نشأت حديثاً وعمر أقدمها الزمني لم يصل بعد إلى مائة عام، وهي ذات كثافات سكانية مواطنة محدودة وأحجامها ومساحاتها الجغرافية محدودة (ما عدا المملكة العربية السعودية) وتعيش فيها كثقافات سكانية تتكون من جاليات وافدة من جميع أقطار العالم تقريباً. وكل منها أتى بثقافته ولغته وعاداته وتقاليده وقيمه لكي يعيش جنباً إلى جنب مع ما يملكه أبناء دول المجلس من هذه المعطيات، ولا بد لهم من التعامل معهم والتأثر بما لديهم. وبرغم من وجود ردود مباشرة على مقولة عدم وجود مخاطر مباشرة على الهوية الوطنية لشعوب دول المجلس، إلا أن من الأفضل والأكثر عمقاً أن يكون الرد في هذا المقام علمياً - تحليلياً مستمداً من معطيات فكرية عالمية استمدت منها أصلاً فكرة عدم وجود مخاطر على الهوية الوطنية والثقافية لشعوب دول المجلس. الفكرة في أساسها خرجت في التاريخ البشري الحديث والمعاصر من تجربة الولايات المتحدة الأميركية في تشكل الدولة والمجتمع، وتقوم على مفاهيم المواطنة الجديدة متعددة الأصول والأعراق، وليس على المواطنة الأصلية التي تخص شعوباً أصلية تعيش في أوطانها منذ الأزل، وتلك المواطنة الجديدة تمارس بأسلوبين: الأول هو أن يصبح الفرد خاضعاً لمعايير اجتماعية مشتركة؛ والثاني هو أن يتم تقاسم النجاح الاقتصادي المشترك للدولة وبنيتها التحتية الوطنية الاجتماعية. هذه البنية التحتية الوطنية الاجتماعية، هي أكثر العوامل تأثيراً في حمل مجموعة متنوعة الأصول والأعراق من البشر الذين لا يشتركون بداية في روابط جمعية ثقافية أكثر من تلك التي يشتركون فيها مع بشر من خارج الدولة على النظر إلى أنفسهم بأنهم يكونون أمة أو وطناً، بمعنى أن هذه الكينونة هي مصدر الهوية الأساسي للمواطنة الجديدة. وللحديث صلة. *كاتب إماراتي