دروس مستفادة من الأحداث الجوية
منذ ١٣ يوم    الإتحاد
تأتي الأحداث الجوية التي شهدتها دولة الإمارات وعددٌ من الدول المجاورة الأسبوع الماضي، والتي سقطت خلالها أمطار بكميات غير مسبوقة (بلغت 254.8 ملم في أقل من 24 ساعة في منطقة العين طبقاً للمركز الوطني للأرصاد، وهي الكمية الأكبر منذ بدء تسجيل البيانات المناخية عام 1949)، لتؤكد أن تغير المناخ يعيد بشكل متصاعد تشكيل أنماط الطقس العالمية، مُهدِّداً الإنسان وأنشطته وميراثه الحضاري. فقد مرت العديد من دول العالم في السنوات الماضية بأحداث جوية جامحة، ومن أحدثها إعصار دانيال الذي دمَّر مدينة درنة بليبيا في سبتمبر الماضي، ونجمت عنه آلاف الوفيات، وإعصار هارفي بالولايات المتحدة الذي أدى إلى تهجير الآلاف عام 2017، وحرائق الغابات في هاواي التي وُصفت بأنها الأشد فتكاً منذ أكثر من مئة عام، حيث تسببت في خسائر قدرت قيمتها بنحو 5.5 مليار دولار. ويضاف إلى ما سبق العديد من حالات الجفاف والعواصف الترابية والرملية وغيرها. ويتفق ذلك مع النتائج التي أقرتها تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) والتي ترجِّح زيادة شدة وتكرارية الأحداث الجوية الجامحة عالمياً. وقد ثمّن العالم استراتيجية دولة الإمارات في العمل المناخي، بصفتها رئيساً لـ«كوب28» وشريكاً في الترويكا مع دولتي أذربيجان والبرازيل اللتين تستضيفان «كوب29» و«كوب30»، وتصديها للأضرار المناخية من خلال العمل على محورين؛ أولهما طويل الأجل، ويستهدف زيادة الطموح المناخي من خلال التحرك المتعقل والمتدرج بعيداً عن الوقود الأحفوري، مع زيادة إنتاج الطاقة المتجددة ومضاعفة كفاءة استخدام الطاقة. والمحور الثاني متوسط الأجل، وهو يستهدف زيادة المرونة والتكيف مع التغيرات المناخية وخفض أضرارها بتحسين نظم التنبؤ وإدارة المخاطر، ووضع نظم للتأمين ضد المخاطر المناخية، وتشغيل صندوق الخسائر والأضرار الذي تبرعت له دولة الإمارات بـ100 مليون دولار، كأكبر مساهم في تمويله. وما زالت دولة الإمارات تضغط على الدول الأطراف، خاصة المتقدمة منها، للانتهاء من وضع آليات تشغيله. وتعد هذه الرؤية المستقبلية الشاملة التي تطرحها دولة الإمارات استكمالاً لنهج صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في اهتمامه بسلامة المواطنين والمقيمين وأمنهم، والذي يأتي على رأس أولويات الدولة، كما يمتد ذلك الاهتمام ليشمل باقي أنحاء المعمورة، وخاصة الفئات الهشة والضعيفة بالدول النامية. وعلى الرغم من هذه الأحداث الجوية غير المسبوقة في الدولة، فقد أعرب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، عن تقديره لمستوى الوعي والمسؤولية الذي تحلى بها الجميع خلال الظروف المناخية الصعبة، وأمر بدراسة حالة البنية التحتية في مختلف مناطق الدولة وحصر الأضرار التي سببتها الأمطار الغزيرة القياسية التي شهدتها البلاد، وتقديم الدعم اللازم إلى جميع الأسر المتضررة من آثار الأمطار في مختلف مناطق الدولة. وتوجَّه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بالشكر إلى العاملين في فِرق الطوارئ والأزمات الوطنية والمحلية والجهات المختصة في إدارة عمليات الإنقاذ والإجلاء، وأشاد بالتعاضد المجتمعي الكبير أثناء الظروف الجوية. ولعل الدرس الأهم الذي يجب أن تستفيد منه الدول الأطراف في اتفاقية تغير المناخ، هو أنه لا يمكن مواجهة التغيرات المناخية إلا من خلال التعاضد والتلاحم والتكامل وزيادة الطموح المناخي لتنفيذ ما جاء من مقررات في اتفاق الإمارات التاريخي، حتى نتمكن من عبور الأزمات المناخية، كما مرت دولة الإمارات سالمة من هذه الأزمة المناخية غير المسبوقة في تاريخ البلاد. ولم تكن مثل هذه النتيجة ممكنة لولا الجاهزية العالية والجهود الصادقة التي حافظت على الأرواح والممتلكات، وحالت من دون تفاقم الأضرار، وقلصت الخسائر إلى أقصى الحدود الممكنة. *صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.