غير متأكد فيما لو كان «اتِّحاد الجامعات العربي» في عمَّان/ الأردن قَدْ هيَّأ إحصائيَّة دقيقة لأعداد الجامعات والكُلِّيَّات التي أُسِّست كُلُّ واحدة مِنْها لِتكُونَ نواة لجامعة عَبْرَ العالَم العربي. بل إنِّي متأكد (بفضل تجربة شخصيَّة مباشرة) من أنَّ أعداد هذه المؤسَّسات الأكاديميَّة في عالَمنا العربي يُمكِن أن يفوقَ أعدادها نظائرها في الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة وكندا سويَّةً!
إذًا، لماذا هذه «الفجوة الحضاريَّة والثقافيَّة» البائنة والمتَّسعة بَيْنَنا وبَيْنَ الدوَل الغربيَّة المتقدِّمة؟ هذا سؤال مؤرق يتوجَّب على القيادات الجامعيَّة، قَبل أُولي الأمْرِ، في الحكومات العربيَّة الإجابة عَلَيْه. عِندما رصدت «حمَّى» تأسيس الجامعات، أو الكُلِّيَّات لِتكُونَ كُلُّ واحدة مِنْها نواةً لجامعات جديدة، طوال العقود الفائتة عَبْرَ العالَم العربي، تيقَّنتُ بما لا يقبل الشَّك بأنَّ أغلَبَ هؤلاء الذين أقدموا على هذه المشاريع «الأكاديميَّة» كانوا يرمون لأهداف قَدْ لا تمتُّ بصِلَة حقيقيَّة لــ(فكرة الجامعة) كما وضع أُسُسها واحد من أكبر عباقرة القرن التاسع عشر، وهو الكاردينال نيومان John Henry Newman الذي حاول الإجابة على سؤالَيْنِ جوهريَّيْنِ حَوْلَ الغرض من تأسيس «جامعة كاثوليكيَّة» في شمال أيرلندا وأظنُّ أنَّ أغلَبَ الذين عملوا على تأسيس جامعات في عالَمنا العربي لَمْ يحاولوا الإجابة على سؤالَيْ نيومان الجوهريَّيْنِ وهما:(1) هل الهدف من تأسيس الجامعة هو تخريج «الإنسان المهذَّب» The Gentleman، رجلًا كان أم امرأة؟ بمعنى الإنسان الذي يسلك سلوكًا اجتماعيًّا رصينًا، أي الإنسان الذي «يعرف شيئًا عن كُلِّ شيء» أو عن موضوع علمي أو ثقافي! أمَّا سؤال نيومان الثاني الذي أرَّقَ عقلَه العبقري، فهو: (2) هل الجامعة مؤسَّسة أكاديميَّة تعمل على التنشئة والتعليم (التدريسات) فقط، أم أنَّها مؤسَّسة تستقطب أذكى العقول المثقَّفة تثقيفًا رفيعًا لِتكُونَ هي مركزًا للبحث العلمي والتطبيقي؟ لا أظنُّ بأنَّ غالبيَّة الذين أسهموا بتأسيس جامعات أو كُلِّيَّات لِتكُونَ نواة لجامعات في العالَم العربي، قَدْ فكَّروا بما فكَّر به نيومان يوم كلَّفه الفاتيكان بتأسيس جامعة كاثوليكيَّة في أيرلندا الشماليَّة! أكاد أجزمُ بضعف هذا النَّوع من التفكير الرصين لدى أمثال هؤلاء من مؤسِّسي الجامعات في العالَم العربي، بدليل تأسيس العديد من الجامعات على نَحْوٍ أقرب ما يكُونُ إلى تأسيس شركات ربحيَّة لتكويم الدولارات وجمع المال عن طريق حلْب الطلبة المقبولين في أقسام كُلِّيَّاتها العلميَّة لبالغ الأسف. لذا، أُفضِّل الجامعات الحكوميَّة على قريناتها الأهليَّة التي تؤسَّس كمشاريع للاستثمار المالي؛ ذلك أنَّ أهمَّ الجامعات الحكوميَّة في العالَم العربي لَمْ تتأسَّس كمشاريع ربحيَّة، بقدر ما كان مؤسِّسوها يرمون إلى الارتقاء ببلادهم نَحْوَ الأعالي على طريق التقدُّم والازدهار الحقيقيَّة.
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي