شكراً ويل سميث
منذ شهرين    هسبريس
سبعُ درجات على سلم “ريختر”، وفي أقل من ثلاثين ثانية، وعلى عمق عشرة كيلومترات من باطن الأرض، وبين جبال الأطلس الكبير التي يبلغ ارتفاع بعضها ثلاثة آلاف متر، كانت كافيةً لانتقال مئاتِ الضحايا في المملكة المغربية ـ أطفالاً وشيوخاً ونساءً ـ من عالمنا المشهود إلى عالمٍ آخرَ سيكون غداً مثوانا كما هو اليوم صار مثواهم. سبعُ درجات زلزلت أرض نواحي مدينة مراكش، ورفعت مستويات طبقاتها بعض السنتيمترات، لكنها زلزلت أيضاً الضمير الإنساني العالمي، وأظهرت أجمل ما فيه وأنبل، وأنبأته ـ حد الصفعة ـ أن ما هو منشغلٌ به من صراعاتٍ، وأحقاد، وكراهيات، ماهي إلا مدارك سحيقة تجعله يشبه في مماحكاته وتمنعاته وتصادماته، إلى حدٍ كبير، جشار الصبيان على لعبةٍ بلاستيكية، بينما الكارثة إذا نزلت لا تميز فينا بين أبيض وأسمر، أو غني وفقير، وتختفي معها الاتجاهات، فلا يُعرف شمالٌ من جنوب، ولا شرقٌ من غرب! وقد شاهدنا بعد زلزال المغرب بأيامٍ قليلة كيف جرف السيل ثلث مدينة “درنة” الليبية بعماراتها وسياراتها وشوارعها، وساق الجميع إلى باطن البحر! وقبله زلزال تركيا وسوريا المدمر .. ولا ندري غداً ـ أمام العبث بتوازنات البيئة ـ مَن اللاحق؟ وفي ديار مَن ستنهمر الدموع، وتفجع القلوب، وتشخص الأبصار؟!. في ظل هذه الفاجعة أبان العديد من الوجوه المرموقة عالمياً عن حقيقة المعدن الذي يحمله كلُّ واحدٍ منا في قلبه، ويحتاج فقط أن يصقله بين الفينة والأخرى ليحافظ على نقائه وصفائه، هو أعظم معدنٍ إن لم أقل أقدسه، وبه نتجمل ونتميز، إنه معدن “الإنسان”.. معدنٌ يسمو على الأعراق والأوطان والأفكار والمعتقدات، معدنٌ جعل طبيباً بريطاني الأصل والفصل يحرك سيارته المجهزة مباشرةً من لندن إلى مراكش، وينطلق بها براً ساعتين بعد وقوع الكارثة، فكان بذلك أول المستجيبين للكارثة، بينما أهلها لم يخرجوا بعد من هول الصدمة! معدنٌ دفع الممثل الأمريكي العالمي الذي صنفته مجلة “نيوزويك” أقوى ممثلي هوليود في العصر الحديث؛ ليعبر عن تضامنه ويحث الملايين من محبيه ومشاهديه على دعم الحملات الإغاثية، وهو نفس المعدن الذي دفع الأسطورة البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي يملك فندقاً من صنف خمس نجوم بقلب مدينة مراكش للتعبير عن دعمه وتضامنه، ونفس المشاعر صدرت من نجم كرة القدم الإسباني سيرجيو راموس، ومواطنه الممثل والمخرج والمنتج أنطونيو بانديراس، والفنان الكوميدي الشهير المقيم بفرنسا المغربي من المكون اليهودي جاد المالح، والكاتبة والأكاديمية ذات الأصول المغربية والديانة اليهودية نيكول الغريسي، واليوتوبر البريطاني الشهير ثيو أوغدن، البالغ من العمر اثني وعشرين سنة، ويتابعه على منصاته أكثر من مليون ونصف المليون شخص، يحزم بدوره حقيبته إلى المغرب مباشرةً بعد الكارثة، ويدعو من بين الأنقاض متابعيه إلى دعم ضحايا الزلزال، إضافةً إلى مشاعر عشرات السفراء، منهم السفير السويدي يورغان كارلسون، وعددٌ من السياح المتواجدين بمراكش من مختلف بقاع العالم، وغيرهم من مؤسسات المجتمع المدني والمتطوعين من العالم بما فيه السويد، كل هؤلاء أصموا آذانهم عن جميع الأصوات إلا صوت “الإنسان”. فباسم الإنسانية .. شكراً ويل سميث، وجميعَ من شابهه في معدنه وانتمائه المقدس للإنسان.. وأغتنم هذه اللحظة الوجدانية لأهمس في أذن كل شابٍ غرته أصواتٌ نشاز من دعاة التطرف والكراهية، لأقول له مشفقاً صادقا: الله يحب البر والإحسان، ويأمرنا بهما أمراً، حيث قال سبحانه في القرآن الكريم: “لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين”.. إذا كان هذا حالك مع مَن لم يسئ إليك ولم يخرجك من وطنك، فكيف بمن أتى إليك من مكانٍ بعيد، حيث لا مصلحةَ ولا رحم غير رحم الإنسانية، ليحضنك ويشاركك فجعتك ودمعتك؟.. الإنصاف عزيزٌ يا سادة!. (*) باحث في قضايا الفكر وحوار الحضارات رئيس رابطة الأئمة والقيمين الدينيين باسكندنافيا – السويد The post شكراً ويل سميث appeared first on Hespress - هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.