في الأثناء تتسارع وتيرة الاستيطان لتنهي حل الدولتين
منذ شهر    الصحافة
تتوالى الأيام وتتشابه امام جنون الآلة الحربية الاسرائيلية وحجم الخسائر التي توقعها بالمدنيين العزل، ولم تنجح كل محاولات ايقاف هذه الحرب المدمرة حيث واصلت الحكومة اليمينية الاسرائيلية جبروتها وتسلطها مدعومة في ذلك بالدول الكبرى . ولعل احد نتائج هذه الحرب، الى جانب العدد الهائل من الشهداء والتدمير الكلي للقطاع، عرفت هذه الحرب تسارع حركة الاستيطان في غزة كما اشارت الى ذلك عديد التقارير الدولية ومنظمات المجتمع المدني مثل حركة «السلام الآن» . وقد شهدت سنة 2023 تطورا كبيرا في بناء المستوطنات بلغ أرقاما قياسية لم نعرفها في السابق.كما عرفت هذه الحركة تطورا كبيرا مع بداية الحرب الشاملة لإسرائيل على قطاع غزة وعلى الضفة. وقد أشارت عديد التقارير الى ان سنوات الحرب وتصاعد الصراع عرفت تطورا كبيرا لحركة الاستيطان في الاراضي المحتلة. الى جانب انعكاساتها الاقتصادية والأمنية نظرا لغطرسة وأعمال العنف والاعتداءات التي يقوم بها المستوطنون بطرد السكان الاصليين اي الفلسطينيين من اراضيهم، لتسارع حركة الاستيطان انعكاسات سياسية مباشرة حيث تسعى الى فرض واقع جغرافي وميداني يستحيل معه تطبيق حل الدولتين كأحد آفاق الحل السياسي للصراع.ولئن صاحبت حركة الاستيطان كل التجارب الاستعمارية الا انها تشكل الركيزة الاساسية للتواجد الاسرائيلي في فلسطين . الاستيطان كنه الاستعمار ان الاستيطان كما تشير اليه الدراسات التاريخية والقانونية هو عملية اسكان واسعة صاحبت اغلب التجارب الاستعمارية في العالم .وتتخذ هذه التجارب ذريعة الاعمار وتنمية الاراضي المهجورة والخالية من السكان لإضفاء المشروعية على ضم هذه الاراضي وإلحاقها بالسيطرة. وقد بدأت حركة الاستيطان مع تطور التجارة العالمية حيث أنشأت اغلب الدول الكبرى والإمبراطوريات موانئ ومواطئ قدم على السواحل على الطرق التجارية الكبرى كي تستقبل السفن، ثم تطور هذا الحضور الاستعماري في القرنين التاسع عشر والعشرين مع ظهور المستعمرات لكبرى الامبراطوريات الرأسمالية مثل فرنسا وبريطانيا وبدرجة اقل بلجيكيا والبرتغال وألمانيا في عديد البلدان الافريقية والآسيوية .وقد شجعت السلط الاستعمارية مواطنيها على الاستقرار في هذه البلدان وتطوير أنشطة اقتصادية في المجال الزراعي او الصناعي وكانت المواد الاولية مرتبطة تمام الارتباط بحركة الاقتصاد الاستعماري وديناميكيته من خلال المبادلات التجارية وحركة رأس المال الموجهة للعواصم الاستعمارية ولم تختلف تجربة الاستيطان في الاراضي المحتلة عن هذه التجارب الاستعمارية الاخرى.وقد انطلقت هذه الحركة الاستيطانية في اسرائيل قبل قيام الدولة. حيث اقام القوميون اليهود 19 مستوطنة قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الاول في بازل سنة 1897. وستتوسع حركة الاستيطان في ارض فلسطين اذ عمل اليهود على شراء الاراضي في فلسطين لبناء مستوطنات جديدة بلغ عددها 290 قبل قيام دولة اسرائيل سنة 1948.وستعرف عملية بناء المستوطنات نموا كبيرا اثر تكوين دولة اسرائيل ومع تطور الهجرة اليهودية تم تكوين 300 مستوطنة بين سنتي 1948 و1953.وستعرف عملية الاستيطان تطورا كبيرا اثر هزيمة 1967. ولم يقتصر الاستيطان على المستوطنات القروية بل شمل كذلك المستوطنات الزراعية .وقد لقيت الكيبوتزات الكثير من الدعم على المستوى العالمي وخاصة من الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية باعتبار انه تم تقديمها على انها مثال للقرى والنظام الاشتراكي التعاوني .الا ان هذه الرؤيا والتصور سيتراجع مع بداية الثمانينات ليصبح الربح والنظام الرأسمالي قاعدة لبناء هذه المستوطنات. وقد عرفت المستوطنات تراجعا في بداية الثمانينات حيث تم اخلاء مستوطنات سيناء بعد معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية لعام 1979 وقرار اخلاء مستوطنات قطاع غزة سنة 2005 بعد تطبيق خطة فك الارتباط الاحادية من جانب اسرائيل . صعود اليمين المتطرف وتسارع حركة الاستيطان ستعود حركة الاستيطان بسرعة اثر التراجع الذي عرفته في الثمانينات حيث ستتجه هذه الحركة الى الجولان والضفة الغربية والقدس الشرقية حيث وصل عدد المستوطنين الى 407 الف في الضفة و975 الف في القدس الشرقية و20 الف في الجولان السوري المحتل سنة 2016. ويلعب المستوطنون دورا اساسيا في المجال السياسي الاسرائيلي حيث يشكلون قوة ضغط كبيرة على الاحزاب السياسية ويشكلون خزانا انتخابيا كبيرا لفائدة الاحزاب الدينية المتطرفة التي تقدم لهم دعما كبيرا في المقابل . وستعرف الحركة الاستيطانية تطورا كبيرا مع صعود اليمين المتطرف والأحزاب الدينية المتطرفة لحكومة بنيامين نتنياهو في ديسمبر 2022.وقد أقامت منذ ذلك الوقت الحكومة الاسرائيلية مستوطنات وقدمت لها دعما غير مسبوق. وقد عرفت سنة 2023 تسارعا غير مسبوق في اقامة المستوطنات والتي وصل عددها الى 23 بينما لم يتجاوز هذا العدد 5 مستوطنات سنة 2022. ولم تقف حركة بناء المستوطنات بعد الحرب بل تزايدت وتيرتها بدعم مباشر من بعض الوزراء في الحكومة الحالية مثل ايتمار بن غفير والذين فرضوا على الحكومة اعطاء الشرعية للمستوطنات التي اقيمت دون تشريع وتقديم الدعم المالي واللوجستي لها. وقد كان لتسارع حركة الاستيطان تأثير كبير على عديد المستويات الاقتصادية والأمنية على الشعب الفلسطيني. المستوطنات، الخوف واقتصاد النهب تعيش اغلب المناطق الفلسطينية تهديدات كبيرة نتيجة تواجد وتطور المستوطنات، أولى هذه التهديدات امنية حيث عرفت جل الاراضي الفلسطينية تصاعد الاستفزازات واعتداءات المستوطنين الاسرائيليين المحميين من قوات الامن الاسرائيلي ضد المواطنين الفلسطينيين لدفعهم الى ترك اراضيهم والاحتماء بالمدن .وتمثل هذه الاعتداءات والاستفزازات تهديدا كبيرا للسلم الاهلية حيث تزايد عدد الاقتحامات للقرى والبلدات الفلسطينية التي يقيم فيها المستوطنون. كما يقوم المستوطنون بعديد الكتابات العنصرية والاستفزازية ضد المواطنين الفلسطينيين ولا يمكن لقوات الامن الفلسطينية ايقاف هؤلاء المستوطنين الذين يحتمون بمستوطناتهم وبقوات الامن اثر اعتداءاتهم مما يشكل تهديدا كبيرا للسلم الاهلية في اغلب المناطق الفلسطينية .ولم تتوقف تهديدات المستوطنات على المجال الامني بل امتدت كذلك الى الجانب الاقتصادي حيث يحصل نهب ممنهج للمناطق الفلسطينية. ويشكل الاستيلاء على المياه في المناطق الفلسطينية احد الاشكال الكبرى للنهب الذي تمارسه المستوطنات.فقد عمل الاحتلال على السيطرة على المياه السطحية مثل مياه نهر الاردن والبحر الميت وحرمان الفلسطينيين منها.وستقوم المستوطنات بنفس الشيء مع المياه الجوفية حيث ستنتصب اغلبيتها على احواض المياه. و 70 % من المستوطنات تقع على حوض الخزان الشرقي في الضفة الغربية .ويتحصل 500 الف مستوطن موجودون في الضفة على %32 من المياه الجوفية بينما لا يستهلك 3.7 مليين فلسطيني إلا %18. كما تشكل مخاطر المستوطنات واعتداءات المستوطنين القطاع الزراعي حيث تقع السيطرة على مساحات كبيرة من الاراضي الخصبة في الضفة، كما تعمل السلطات الاسرائيلية من خلال الجدار العازل على منع الفلسطينيين من التنقل والوصول الى اراضيهم وحصد منتوجاتهم .كما تسارعت اعتداءات وعمليات جرف وقلع اشجار الاراضي الزراعية من زيتون وعنب وكرم لدفع الفلاحين الفلسطينيين الى ترك اراضيهم والذهاب الى المدن كنازحين . إلى جانب المخاطر الاقتصادية والأمنية لحركة الاستيطان مخاطر سياسية حيث انها تنهي حل الدولتين على ارض الواقع من خلال شرذمة اوصال الدولة الفلسطينية. الاستيطان ، القانون الدولي ونهاية حل الدولتين لقد أدان المجتمع الدولي وبصفة خاصة الامم المتحدة المستوطنات واعتبرها خرقا للقانون الدولي وجملة القرارات التي اتخذتها .ولا يعترف المجتمع الدولي بعمليات «الضم» التي قامت بها الحكومات الاسرائيلية في الضفة والقطاع والجولان والقدس الشرقية. وقد طالبت لوائح وقرارات الامم المتحدة اسرائيل بإجلائها. وقد اعتبرت محكمة العدل الدولية أن هذه المستوطنات غير شرعية سنة 2004. وقد تقدمت عديد البلدان ومن ضمنها البلدان الاوروبية وحتى الحليف الامريكي بتوجيه النقد للحكومات الاسرائيلية ضد حركة الاستيطان باعتبارها تشكل عقبة جديدة ضد عمليات السلام إلا ان هذه المواقف لم تتجاوز النقد ولم تتطور الى مواقف اكثر ردعا لإسرائيل . ورغم رفض المجتمع الدولي لحركة الاستيطان فإن اسرائيل امعنت في هذا الخيار وسرعت من وتيرة بنائها للمستوطنات خاصة في فترات الحرب والمواجهة .والهدف من هذا الامعان سياسي بالأساس حيث تسعى الى تقطيع اطراف الدولة الفلسطينية لتنتهي على ارض الواقع حل الدولتين الذي تم طرحه في اتفاقية اوسلوا على اساس قرار الامم المتحدة 242 الذي يدعو الى احترام سيادة ووحدة اراضي كل دولة ويدعو اسرائيل الى الانسحاب من الاراضي التي احتلتها سنة 1967، وقد كانت هذه المستوطنات وراء تطور عمراني مشوه للمناطق الفلسطينية قضى على وحدتها الترابية والجغرافية وجعل المدن والمناطق الفلسطينية عبارة على كتل وكنتوتات يصعب حتى التنقل اليها وبناء مؤسسات وتنمية حولها. تعيش الاراضي الفلسطينية وبصفة خاصة قطاع غزة والضفة وضعا مأساويا امام الجنون العسكري الاسرائيلي. ولن تنتهي هذه الماسي بنهاية هذه الحرب المدمرة.فقد وضعت اسرائيل كل العراقيل وبصفة خاصة عبر المستوطنات لمنع الوصول الى حل سياسي يمكن الشعب الفلسطيني من حقوقه الوطنية في العيش بسلام في ارضه وفي اطار دولته المستقلة