حكاية تحت ظل سرحاية…للكاتب :نقدالله خليل احمد
منذ ٥ سنوات    سودان جيم
حكاية تحت ظل سرحاية رواية تحت ظل سرحاية أمير بن الدرة للكاتب :نقدالله خليل احمد إهداء الي روح الشهيد البطل الدكتور خليل ابراهيم محمد الرمز والقدوة الذي استوحى الكاتب من سيرته وشخصيته فكرة الرواية والى احفاد العظماء من تاريخ امتنا المجيدة الذين جارت عليهم الازمان وعصفت بهم الاهوال فاصبحوا غرباء ومشردين في اوطانهم والى كل المبدعين والموهوبين في شتى المشارب وطلاب العلم أهدي هذه الحكاية القصيرة التي كتبتها تحت ظل سرحاية آملا ان يستلهم القارئ المتصفح في ثناياها العبر والدروس والحنين الى الماضي المزدهر واستشراف المستقبل الكاتب ملخص تحاول الرواية عكس اهمية القيم والعادات الاجتماعية الموروثة التي يذخر بها الريف السوداني ، وعمق التمازج والانصهار بين مجموعة السلالات المكونة لهذا المجتمع وما يحتويه من مقومات تصلح لانجاب المبدعين والمواهب في شتى المجالات الانسانية وتحاول الرواية ابراز فشل النخب المتعاقبة للحكم في استثمار هذه المقومات واستنهاضها لبناء النسيج المتكامل للوحدة الوطنية مما اقعدت البلاد عن ركب التقدم والازدهار وادخلتها في صراعات وكوارث متتالية عصفت بهذا الارث التاريخي العظيم تحاول الرواية ان تعكس كل ذلك من خلال تناول شخصية بطل هذه القصة الفتى الريفي أمير وعلاقاته والبيئة الاجتماعية لقرية الدرة التي انجبته وصروف الاقدار التي آلت اليها حاله بفعل الممارسات السياسية الفاشلة للنخب الحاكمة أمير . هو الاسم الشايع لهذا الفتى الطويل الأسمر الذي يدرس بقسم الفلسفة في الجامعة جاء أمير من أسرة ريفية يحمل معه صفات وشخصية ابن الريف البسيط والشهم بشاشته وحسن مظهره ورجاحة عقله دفع بزملائه الى إطلاق هذا الاسم عليه تعبيرا عن التقدير والاعجاب بسلوك وشخصية هذا الفتى الريفي النبيل في بداية حياته الجامعية ، انكب أمير للاطلاع في أمهات الكتب العلمية والادبية والفلسفية وكثيرا ما يبهر زملاءه بالقصص والحكم والاشعار النادرة مما ساعد في تنامي أصدقائه ومحبيه حتى تمددت لتشمل معظم طلاب الجامعة وبرغم عما يتصف بها شخصيته من التحشم وروح التصوف فقد تمددت علاقاته أيضا لتشمل مجموعة كبيرة من زميلاته الطالبات وبخاصة من بنات دفعته في الكلية ، وكثيرا ما تجده يشارك معهن الحوار والمناقشة عقب المحاضرات والمنتديات حتى اشتهر عند بعضهن بأسماء خاصة تلقبنه بها كالحكيم والراهب فهو الى جانب ذكائه ورجاحة عقله يتميز بشيئ من روح الدعابة والمرح وقصة الراهب هذه وموضوعها هي ان تلك الحوارات والمناقشات العفوية قد تكثفت وتعمقت مع مجموعة خاصة من بنات دفعته هن اقبال الطالبة في السنة الثانية قسم القانون ، ابتهاج في السنة الثانية قسم الاعلام ونصرة وتدرس في السنة الثانية قسم اللغات . وقد اخذت جلساتهن تتكرر معه كمجموعة في ساحة بابل التي تتوسط مبنى كلية الآداب ، وكانت تتم بصورة عفوية مفتوحة يشارك فيها بالنقاش كل من يمر بالحلقة وينصرف متى ما شاء ويأتي آخرون وكثيرا ما تنقطع وينفض السامر بحلول موعد المحاضرة أو سماع الآذان أو تعليق أحد الأصحاب مازحا عن الاستئثار بأمير من قبل هذه الثلة واستهلاكه ليجتمع الشمل غدا أو بعد غد . فاطلق الطلاب على هذه المجموعة إسم الراهبات و بنات الراهب وأطلقوا على ساحة بابل اسم بابل الراهبات وسرعان ما اشتهر هذا الاسم وسط الطلاب وقد قابلت المجموعة هذه التسمية بالرضى والترحاب وسعت وبمرور الأيام الى التشكل في صورة مجموعة منظمة أخذت تدعوا الى نشر القيم الفاضلة والصدق والمحبة وسط الاسرة الجامعية وامتد نشاطهن الى ساحات مسكن الطالبات والتي قد تستمر التسامر فيها الى ساعات طويلة في الامسيات يحكين فيها الطرف والنوادر التي يسمعنها في جلساتهن مع أمير ، وازداد شعبيتهن وصبحن ينظر اليهن كصالحات انقطعن لنشر الكلمة الطيبة والمحبة الخالصة في التعامل داخل الجامعة وسعت المجموعة الى إصدار جريدة حائطية دورية في مبنى النشاط تنشر مقالات وموضوعات تخص قضايا الحياة الجامعية وبطاقات التعارف وإضاءات لسير بعض الشخصيات الهامة داخل الجامعة ، وقد استهلت الإصدارة نشاطها بسلسلة حلقات مع أمير تناولت التعريف بنشأته الأسرية وعلاقاته داخل الجامعة وفي إحدى الاستطلاعات وفي سؤال الصحيفة لطالبة عن رأيها وعلاقتها مع أمير قالت في رأي قد تكون لأمير علاقة ما تربطه بعالم الجن إما أباه أو أمه ينتمي إلى ذاك القبيل لأن صفات أمير كلها لا يمكن أن تجتمع في بشر عادي وبخاصة فراسته وقراءته للأمور وهذه رؤية منسوجة في أذهان الكثيرين الذين يرون في أمير صفات ومواهب خارقة لا يمكن أن تتوفر كلها لدى بني البشر وبجانب نشاطه الاجتماعي يعتبر أمير طالبا متميزا اكاديميا فهو ملتزم بصورة جادة في حضور المحاضرات وزبونا معتمدا في المكتبة ويتمتع بعلاقات قوية مع أساتذته في الكلية ، وهو صاحب اعلى درجة تحصيل دراسي في كل عام ورئيس جمعية طلاب الفلسفة وقد سعى لتزويد مكتبة القسم في عهده بأمهات الكتب والإصدارات العربية والأجنبية عبر مراسلاته مع جمعيات الآداب في مصر وبيروت والكويت وبرغم ثقافة أمير السياسية وسلوكه الاجتماعي فهو مستقلا في أفكاره عن الانتماء لأي من التنظيمات السياسية في الجامعة فهو لا يميل أبدا الى السجالات والمناظرات القحة ولكنه شخص مرحب به أينما حل وفي جميع المنابر وكثيرا ما تقدم له الدعوات لتشريف المناشط المختلفة للروابط الطلابية وقد ترأس مبادرات عدة بغرض تنقية الممارسة السياسية داخل الجامعة من السوالب ونبذ العنف وتنسيق العمل السياسي وتنظيم الحملات الانتخابية فيما عرفت بمبادرات أمير وبإلحاح شديد من جماهير من الطلاب وافق أمير على الترشح في انتخابات اتحاد الطلاب ضمن قائمة المستقلين وأحرز أعلى الأصوات من بين الفائزين وتشكلت اللجنة التنفيذية الجديدة واختير أمير سكرتيرا اجتماعيا للاتحاد وبرغم عن مرارة الهزيمة التي منيت بها قوائم التنظيمات غير الفائزة فقد أصدرت بيانات التهنئة وأخصوا أمير بأجمل العبارات متعهدين بالوقوف إلى جانبه ومساعدته في برامجه الاجتماعية وفور الإعلان لقائمة الفوز سارعت الراهبات بالدعوة للاحتفال بفوز أمير ضمن مقاعد الدورة الجديدة ، وكان الاحتفال بحق ملحمة طلابية فريدة امتلأت ساحة بابل عن جنباتها بالحضور على رأسهم مدعوون من الأساتذة والموظفين والطلاب وقد دارت في برامجها سجالات طريفة وجدال فلسفي درامي بين المنهج النظري والممارسة التطبيقية في مجال العمل السياسي والعمل الخدمي العام مستدلين بأمير نموذجا لنظرية قيادة المجتمع من خلال السلوك الاجتماعي الرشيد وتحدث أمير في المناسبة شاكرا الزملاء على الثقة ومنوها الى أهمية ربط مؤسسة الجامعة مع المجتمع وتغطية جميع جوانبه بالمناشط الطلابية والقوافل للأصقاع المختلفة بغرض العطاء والتعرف على البيئات والثقافات المختلفة للمجتمع السوداني وقد أبلت الراهبات بلاءا حسنا في إخراج الاحتفال بصورته التي نالت إعجاب الحضور وبخاصة دور الاعلامية الموهوبة ابتهاج وخلال مسيرة الدورة أبدت السكرتارية العامة احتجاجات عدة بسبب ضيق فسحة الدار ومزاحمة الجمهور مما يهدر الوقت وبخاصة ديوان أمير ويشيرون بذلك الى مكتب السكرتارية الاجتماعية والذي ظل محتلا تماما وبشكل دائم من قبل وفود الطلاب والطالبات مما دفعت بقيادة الاتحاد الى تخصيص ساعات النهار بكاملها لقضايا الجمهور وتحويل الاجتماعات والاعمال الإدارية إلى ساعات الليل ذات مرة جاء الراهبات يطلبن امير للانفراد في جلسة ويكون هو لوحده استغرب لهذا المطلب الدراماتيكي المشروط ولكنه وافق قائلا خير إنشاء الله وفي الجلسة تحدثت اقبال بطريقة جادة ومشحونة بالعواطف : تعمقت مسيرة معرفتنا بك يا امير ، وترسخت المعاني والنصائح التي اخذناها منك والتي اصبحت رسالة المجموعة وبرنامج حياتها ، الصدق في القول والمعاملة مع الجميع وحب الخير لكل الناس حتى أضحي ينظر إلينا كراهبات يطبقن وصايا فيلسوف جديد و… تدخلت ابتهاج مقاطعة وكأنها رات ان هذه المقدمة تكفي لتهيئة امير وسالت مباشرة : لماذا لم تتحدث لنا او تبدي ولو إيماءا علاقتك الخاصة بعنصر المرأة كجزء مكمل وشريك أساسي في الحياة ؟ هل ذلك لان عالم الجن أرفع من عالم البشر ! انفجر الجميع بضحكة قطعت حديثها قال أمير : يا زميلات تعلمن ان علاقتي معكن تعتبر من انبل العلاقات على نطاق الجامعة وبشهادة الآخرين ، وانكن بحق أقرب الناس إلي وأنني ما تركت شيئا لم أناقشه معكن في القضايا والعلاقات العاطفية المشكلة في رايي وراي الكثيرين هي ان علاقتي معكن قد احجبت الجماهير الطلابية عن كنز نادر من الجواهر وبدلا ان تشرق ويعم أنوارها للجميع اخذت تغرق في عالم المثالية والخلق وتصعد بنفسها الى آفاق لا يمكن التطلع اليها وصمت قليلا ثم واصل : إن هذا السودان الواسع المترامي الأطراف وتعدد مناخاته الجغرافية وتنوع قبائله وعادات وتقاليد سكانه يتطلب من المرء ان يتحلى بالتأني عند الخوض في هذه الملفات وانكن دون إطراء من خيرة طالبات الجامعة وانا انتظر منكن أي مشورة تحتجنها في هذا الجانب . وطأطأ قائلا ولكن غاية الشكر على هذا الكرسي الساخن الذي وضعتنني عليه هذه الامسية تدخلت نصرة وكأنها رات أن امير يريد ان يغلق هذا الباب وينهي اللقاء دون ان يتحصلن على ثمرة ما يريدين وقالت كم اتمنى لو اعرف له مجرد خاطرة حول أي زميلة في الجامعة او خارجها حتى نسعى للتعرف عليها والتقرب منها إنها حتما ستكون لها صفات عظيمة تفيدنا في مسيرتنا في الحياة والتفتت اليه أقول صادقة لو انك تقدمت تطلبنا نحن الثلاثة سنوافق على ان نزف اليك في يوم واحد واومأت زميلتيها بموافقة واضحة تدل على الجدية والحزم وجد أمير نفسه في ورطة وغير مهيئ لإجابة يمكن ان تخرجه فاتجه إلى اقبال : ماذا ترين أنت يا بنت الطهطاوي قالت : الحقيقة اننا لم نتمكن من اكتشاف إشارة تدلنا على اهتماماتك في هذا الجانب إلا كلام العلم والفلسفة كما قالت ابتهاج . وبحق انت لنا في مقام الاب والاخ والصديق واصدقك انني فكرت كثيرا محاولة تحديد من هي التي تكون في مقامك ولكنني فشلت وبعد استخدام جميع ادوات القياس . والحال هذه لا مفر من استخدام نظرية الروح اسمح لي ان أختار لك اختي نصرة هذه التي إلى جوارك وانني واثقة من انها تصلح لهذا الشرف واحلف لكم بانها أصلح من عرفتها في حياتي واشهد الله أنني لم أقل رأيي هذا لاحد من قبل ولو كنت رجلا لجالدت دونها السيوف تدخلت ابتهاج قائلة : والله سبقني بها لو لم تقل هي لقلت نفس الكلام تسمرت نصرة في مكانها وكأنها فقدت وعيها من فرط الخجل ثم استقوت وتحدثت لو ان مهره ذهبا لقبلت ان ادفعه ولو قال انه ينتمي إلى قبيل يسكن في جزائر المحيط لقبلت ان أطير معه وغطت وجهها بالمنديل . وانسحبت المجموعة تاركة امير مشدوها في مكانه واحتجب الراهبات عن الظهور في ساحة الجامعة ليومين ، وفي اليوم الثالث ارسل إليهن أمير للقاء في دار الاتحاد حضرن وهن يتضاربن في المشي لا تكاد ارجلهن تقوى على حملهن خجلا مما يعتبرن انهن ابدينها من وقاحة في الجلسة ، وسلمن بأصوات متهدجة وجلسن وهن مطأطآت وكأنهن اتين جرما صمت امير برهة ثم قال في عبارات متقطعة : وحبسكن الحياء … وهذه واحدة من اعظم صفات المرأة … منظركن هذا هو اعلى درجات القياس … يسعدني جدا ان ارى هذه المكانة السامية لشخصي عندكن … ويشرف قدري الهدية ولو كانت اية واحدة منكن … الامر ليس بالسهل وارجو ان تعينني وتكن إلى جواري … الامتحان على الأبواب وسنتعاون في المراجعة واتمنى ان نحقق جميعا التفوق ولنا لقاء بعد الفراغ بإذن الله انتهت امتحانات السنة ، وأعدت السكرتارية الاجتماعية للاتحاد برنامج العمل الصيفي يشمل تسيير قوافل ثقافية لأصقاع السودان المختلفة وقوافل صحية ورياضية في أحياء العاصمة وبرامج داخل الجامعة تشمل التعمير والتجميل وكورسات التأهيل في المجال السياسي والخطابة وتوزع الطلاب لتنفيذ هذه المناشط ، وجاء تكليف أمير برئاسة القافلة المتجهة إلى الإقليم الشمالي عطبرة والدبة وكريمة ودنقلا وطافت القافلة وعلى مدى شهر أصقاع الإقليم وأقامت المهرجانات والمنتديات واللقاءات ونفذت العديد من البرامج الثقافية والخدمية التي عكست الصورة المشرفة لدور الطلاب تجاه المجتمع وجاءت المناسبة فرصة سانحة لأمير للتعرف عن قرب على بيئة ذلك الجزء من السودان فهي المرة الأولى التي تطأ قدماه تلك الديار وإن كان يمتلك جزءا من الصورة في ذهنه من خلال التاريخ الموثق والاحتكاك مع الزملاء الطلاب القادمين من تلك المناطق وكانت لمشاركة بنات الراهب ضمن القافلة الأثر الكبير في تنوير أمير بكثير من التفاصيل حول طبيعة المنطقة وعادات سكانها وقد أعجب وتعجب كثيرا من عراقة ذلك الجزء من السودان واصالة سكانه ، كما واندهش السكان في المناطق المختلفة من بلاغة هذه الفتى الغرباوي ونباهته وبختام البرنامج استجاب أمير لدعوة تقدمت بها زميلة الرحلة نصرة لزيارة قريتها ، ووصل الوفد في الصباح الباكر مستقلين عربة المجلس البلدي التي خصصت لخدمة أغراض القافلة وبرغم من أن الزيارة ليست جزءا من البرنامج الرسمي فقد فوجئ الوفد بالحشد الجماهيري الكبير أمام منزل الأسرة لاستقبال الضيوف القادمين وقد خاطب الوفد أهالي القرية وتحدث إليهم أمير رئيس القافلة عبر مكبر الصوت المجهز في العربة معبرا عن مفاجأتهم السارة بالاستقبال الحاشد والترحيب الحار بوفدهم رغم أن الزيارة غير رسمية ولكنها جاءت تلبية لدعوة اجتماعية من الزميلة سكرتير القافلة وحث على الاهتمام بتعليم الأبناء والبنات ، وتحدث عن دور الجامعة وإسهامها في بناء المجتمع ، وعن أهمية الإنسان ودوره في أي موقع كان تجاه خدمة امته وإعمار ارضه ، وتحدث عن أصول هذه الأمة وقيمها وعاداتها الاجتماعية الحميدة والراسخة ، وتطرق إلى انطباعاته الشخصية التي خرج بها والصور التي شاهدها عن إنسان الإقليم وقال إن الصورة عنده قد اكتمل بهذه الزيارة وانه قد رأى صفحات من هذه الأصالة من قبل من خلال تعرفه على ابنة المنطقة الأنموذج سكرتير القافلة ، وقال إن هذا الاستقبال بصورته هذه إن دل إنما يدل على مكانة هذه الأسرة وسط قومها وحبهم وتقديرهم لابنتهم التي عرف الوفد انها ضمن الاعضاء المؤسسين لهذا المسجد الشامخ الذي يقف معلما بارزا وعنوانا للقرية وبشر بان هذا السودان الواسع الفسيح واعدا بالخير الوفير ويحتاج الى كل السواعد المدربة من أمثال الطالبة نصرة وأن الزيارة جاءت تعبيرا عن الوفاء للمكانة السامقة التي تتبوأها ابنة المنطقة نصرة وسط زملائها من طلاب الجامعة وتحدثت نصرة محيية أهل قريتها على حسن الاستقبال الذي شرفها أمام زملائها الضيوف شاكرة تلبيتهم للدعوة ومثمنة الهدايا القيمة التي قدمت للمدارس والشباب والمركز الصحي ومسجد القرية ، وقالت مخاطبة أهلها أن الذين ترونهم أمامكم هم خيرة طلاب الجامعة وقادة المستقبل بلاشك وهي إذ تتعامل مع هذه القامات السامية تدين بالشكر الجزيل لهذه القرية التي أرضعتها وسلحتها بالقيم والأصول للتعاون مع الآخرين وانها في حلها وترحالها تعلم جيدا أنما هي إلا بنت بيئتها وتحدث عدد من الأعيان الذين عبروا عن دهشتهم لكل هذا الفهم والوعي من طلاب الجامعة لقضايا الوطن ومستقبلة وطالبوا بأن تنال القرية حظها في القافلة القادمة يقول احد أعضاء الوفد أن الترتيبات بحق كانت معدة إعدادا دقيقا وقت للراحة والاستجمام ووقت لتجاذب الحديث ووقت لتناول الطعام والشراب وأداء الصلاة ، واما المائدة فقد كانت لوحة كاملة تعكس خيرات وامكانات هذه المنطقة وعادات وتقاليد سكانها في صناعة الأطعمة وأساليب تقديمها وعند العصر خرج أمير برفقة أحد أعيان القرية للتعرف على بعض المعالم الأثرية ، وعند قفولهم راجعين استأذن لزيارة المقابر القديمة للقرية وعند الوصول ترجل وتقدم رافعا يديه بالدعاء ثم أجال بنظره بعيدا وقلبه متلف وكانه يتفحص مرقدا لعزيز وهمهم يرحمك الله وانصرفا راجعين . استغرب الرجل لهذه الخطوة من الضيف الغريب وسأل اراك يا استاذ تقول يرحمك الله ! أجاب مسرعا أقصد المقبرة وقبيل المغادرة تقدم الضيوف لتحية العمات في الداخل وبعد السلام والتعريف التفتت والدة نصرة إلى أمير سائلة من أين أنت يا سيد ؟ قال من قرية الدرة في غرب السودان قالت واين الست والدتك ؟ قال الشيخة حية قالت يمد الله في ايامها إذا ذهبت بلغها السلام . قال يبلغ يا أمي وفي وداع ام نصرة لضيفاتها الطالبات قالت زميلكم الأخضر هذا ابن اصول اجابت إقبال بزهو هو أمير قالت أمير الجامعة ؟ قالت إقبال لا أدري ربما يكون أميرا لجزر المحيط ولكن والله يا خالة إذا تقدم يطلبنا أنا وصويحباتي نرسل لكم تلحقونا عندهم وضحكن أرسلت أم نصرة ابتسامة تبدو عليها الدهشة من هذه الشفافية والمزاح مع صديقات ابنتها اللاتي قارب ان يصرن صديقاتها في يوم واحد وغادر الوفد راجعا بعد المغيب تحت وداع حار من الاهالي ونصائح ووصايا وكأنهم مبتعثون منهم لتمثيل القرية في محفل عظيم وبنهاية البرامج وعودة الوفود اقام الاتحاد احتفالا ضخما بمناسبة ختام العمل الصيفي شرفه بالحضور وزراء التعليم والثقافة ومدراء الجامعات ولفيف من الاكاديميين ورموز المجتمع وقدامى الخريجين من الجامعة ، وقد سميت دورة الاتحاد تلك بدورة صداقة الجامعة والمجتمع وتم تكريم أمير في الاحتفال وقلده مدير الجامعة وسام الطالب المثالي وهي المرة الأولى التي تحدث في الجامعة في مكتبه بدار الاتحاد التقى أمير بنات الراهب واللائي حضرن للتهنئة بإنجازات العمل الصيفي والتكريم وأبلغنه بعزمهن السفر إلى رفاعة لمرافقة اقبال وزيارة أهلها وأثناء الدردشة سألت نصرة ما سر زيارة المقابر قال تريدين كنه ما وراء الظلال ! الغرض زيارة جدة أم الخال وضحك الجميع وبادرت نصرة بتسجيل العبارة وهي تقول جدة أم الخال ! وداع يا أمير قالت اقبال سوف لن تتأخر الهدية .. قال إذن رافقتكن الهداية وانصرفن أيام الفراغ التي أعقبت نهاية العمل الصيفي استعدادا لاستئناف الدراسة قد أعطت أمير فرصة للاستجمام والتفكير بهدوء في معالم الحياة المستقبلية التي بدأت تزاحمه بتصوراتها وتجاذبه الأمواج فيها بين اتجاهين ، اتجاه تدفعه نحو مسئولياته المنتظرة تجاه أهله وقريته الذين يحدوهم الشوق لعودة ابن كبيرهم من غربته التعليمية ليكون النجم السابع عشر لقادة العشيرة الذين سطرت لهم الأمجاد والمواقف في ديوان الأسرة . واتجاه آخر تجذبه نحو الانضمام إلى الحياة المدنية المعقدة والمليئة بالتحديات والأمراض رغما عما يرى فيها من الدعة ورغد العيش واستحضر في خاطره ذكرى جدته البيرق التي وجد قصتها في الديوان وكيف أنها بعد زواجها من ذلك الرجل الغريب البحاري قد وافقت على السفر معها لبلاد البحر وانقطعت عنهم الاخبار بسبب الحروبات التي نشبت في اتجاه البحر في تلك السنين وأصبحت الأميرة المفقودة في ديوان الأسرة جاءت نصرة بعد أيام من السفر لوحدها وأرسلت على الفور إلى أمير واستقبلت وهي ممتلئة حيوية ونشاطا وكأنها تريد أن تبشر بمعنويات وذكريات عن الرحلة قالت الاخوات يبلغنك عاطر التحايا ، ابتهاج سافرت إلى كسلا وتأخرت اقبال في الحلة وقد أعطني رسالة لأوصلها لك ومدت الرسالة في الرسلة الأخ أمير … بعد التحية نبلغك بأننا قد وجدنا الأهل كلهم بخير ولكننا افتقدناك يا سيد أصبحنا وكأن الحياة مهما تحلو .. لا تكتمل عندنا إلا في حضرتك أختي الصغيرة زحل تبلغك السلام وتقول لماذا لم تحضر كما وعدتها في السابق ابتهاج سافرت إلى كسلا لزيارة أسرتها وتأخرت أنا لمرافقة الوالدة لزيارة إخوانها في البطانة مرسل لك الهدية عسى أن تسليك لحين حضورنا ودامت سعادتكما … اقبال وتبسم أمير صويحبات يوسف ! حمد الله على السلامة وأنا والله مشتاق اليك أرسلت نصرة ابتسامة مليئة بالخجل تقول والله قال نعم وأنا قد تأكدت من عزيمتك الجبارة في هذا الأمر هل تعلمين أن صورة الصداقة التي نعيشها في الجامعة هي أعلى بكثير من الواقع المعاش أنا فكرت قبلك في هذه القضية وكان ممكن أن أفاتحك النقاش فيها ولكن أصدقك ما كنت أعتقد أنك بكل هذه القوة والعزيمة في مثل هذه الموضوعات وقد آثرت أن لا أفتنك في مشوار لا تستطيعين أن تقوى على السير فيه واصدقك ما كنت أحمل الصورة الكاملة قبل زيارتي الاخيرة في القافلة وأسألك هل مع كل هذه التفاعلات في الجامعة وفي المجتمع وأنت التي أراك أمامي بدون أية مواقف سابقة في هذا المجال قالت بصوت متهدج كل الذين زاملتهم في حياتي يقولون لي أنت تصلح ولكن لم يقل لي أحد قط أنت تصلح لي إلا قول اقبال أجزم يا أمير ما من أحد يستطيع أن يقرعك بالحجة والبرهان أو يبزك في البهاء السلوك وأسلوب التعامل مع الآخرين واهلي هم الذين رأيتهم سريرتهم علانيتهم وهم أفضل لهم ألف مرة هذا الشرف بدلا من أن يروني هائمة بقية حياتي أروغ حافية أمص شعراتي من الندم قال مقاطعا حاشاك لا تغرقي في هذه الصوفية هل فكرت جادة في أن تكوني شريكتي اضطربت : والله كلما أحاول التفكير في هذا الكلام ارتجف وأهرب وأحس بالحمى أطلب منك طلب يا أمير إذا كان لكم معارف هنا بالعاصمة أرجو أن تعرفني بهم قال لعلك تريدين صحبة صبايا من بنات أبي مرة قالت ضاحكة لا والله ما عاد يهمني ذلك فقد صرت مجنونة حقا ولا أخاف من الجنون ولكن أريد مصاحبة أخوات من معارفك قال وستزورين الدرة في الإجازة القادمة ومعك صويحباتك تهللت وأنا أوافق على تلبية الدعوة وعندما أهمت بالانصراف التفتت قائلة هل انا أصلح لك يا أمير قال لا ! أنت تصلح لإنجاب البيرق ضحكت ولماذا لا يكون هاشم قال لا لأنها هي التي ستقلده الخاتم في مراسم قرانه ولابد أن تكبره سنا والسلام في بداية العام الدراسي الجديد ، وذات يوم قدم امير الدعوة لزميلاته الراهبات للمشاركة في مناسبة اجتماعية في منزل احد الاقارب في مدينة الثورة وهو الاحتفال بقدوم مولود جديد ‘ الطاهر’ وقد جمعت المناسبة لفيف من الاهل والمعارف وما لفت الراهبات في المناسبة هو مكانة امير وسط اهله الذين كثيرا ما ينادونه بابن الشيخ وكثرة منادات العمات له إلى الداخل للسلام والتحية واللائي غالبا ما يقلن عن المولود الجديد إنشاء الله يحمل الاسم وهو يرد اسم الشيخ إنشاء الله وقد تعرفت الراهبات في المناسبة على زبيدة طالبة القانون والتي التزمت مجالستهن طوال اليوم وعند حضور أمير مرة لتحية بعض العمات شاغلته زبيدة أبا كوكب ما أحلى العصافير ! تبسم ولكنه لم يرد بكلمة كانت نصرة تتوق بكل حواسها لمعرفة كل شيئ وكل اللائي راتهن في المناسبة ولكنها تحاول أن تخفي اي إشارة تدل على مشاعرها ولم تتحرك من مكانها إلا مرات قليلة مخافة من لفت الانظار إليها واما صديقتيها فقد غرقن في التجاذبات والتنقل مع الصديقات الجدد والمشاركة في الخدمات كشأن البنات في كل مناسبة وقد مثلت المناسبة فرصة تعرفت الراهبات من خلالها على عدة صديقات جدد وتلقين الدعوات لتبادل الزيارة وبخاصة الصغيرة لمياء أخت المولود الجديد المحتفى به والتي اصرت على انها تذهب مع صديقاتها زميلات أمير إلى الجامعة ولكنهن اقنعنها بانهن سيأتين لاصطحابها في يوم آخر بالخميس بعد المدرسة لتمكث معهن حتى مساء الجمعة كما سرهن عبارات الوداع الرقيقة التي قالها التاج والد لمياء وسماهن صديقات الاسرة مطالبا بان يستمر تواصلهن مع الدار وانه سيقوم بدعوتهن في يوم خاص آخر ووافق ان تذهب معهن لمياء في أيام العطلات إلى الجامعة لأنها ستكون يوما ما هناك واستمرت السكرتارية الاجتماعية في دورها كجسر واصل بين الاتحاد وجمهور الطلاب واستمر أمير في قيادته للمبادرات الفريدة وقد شارك بإعداد الاوراق العلمية لسلسلة السمنارات التي أقامها الاتحاد لإعداد التصور لدور الاتحاد في ترقية البيئة الجامعية وقيادة التغيير في المجتمع وذات يوم جاء الراهبات إلى نجائل بابل وأرسلن إلى أمير حضر ووجدهن جالسات ومطأطآت وكأنهن تلقين نبأ بنعي أليم سلم وسأل ماذا جرى قالت ابتهاج أجلس خير إنشاء الله قال اللهم أجعله خير وبدأت ابتهاج بالحديث وهي المعروف عنها أنها دائما ما توصل ما تراها بأقصر الطرق وأفصح العبارات أمضينا نهار الامس في زيارة زبيدة وسألناها فيما نريد أن نعرفه عنك وأجابتنا على كل الأسئلة عن أصل جدكم الأكبر الذي كان أحد الأركان لمملكة نشأت في إفريقية على ساحل المحيط استمرت لقرون وأنه بنى في تلك المملكة إرثا عظيما وعمرانا وحقول وحدائق كانت حديث المملكة في زماها وان المملكة انهارت عندما هاجمها الرجال البيض بالسفن الحربية وغادر جدكم مع أهله وحشمه إلى منطقتكم الحالية الدرة واستقر فيها وعمرها أحسن التعمير وأنشأ لها نظاما إداريا يتعاقبها صليل أبنائه وقالت ان جدكم ذلك كان له صفات وقراءات خارقة للأمور ورثها عن آبائه وكان يقول أنه سيأتي من بعده بزمان ابن له يشبهه في صفاته وسيرته يجمع الشمل وتزدهر في عهده الديار ازدهارا عظيما ، وتحدث في عهده ابتلاءات عظيمة كما حدث له وقالت لنا ان أمير الذي اسمه هو اسم ذلك الجد وكذلك اسم والدته وصفاته المعروفة في العشيرة منذ ميلاده جعلهم يتنبأون بأنه هو حلمهم المرتجى وذلك ما ترونه من اهتمام الكل به وسألنا زبيدة وانت تعرفي كل هذه السيرة ولا تتشبثي به ليختارك إحدى الفائزات وأنت يتمناك كل فارس ، اجابت لنا ياليت وإذا لحملته على كتفي هاتين ولكن ديوان الاسرة لا يسمح لأمير الاقتران إلا بمن لها صلة رحم مباشرة من ناحية الأم أو الأب أو كليهما وقالت ان كل الذين رأيناهم يوم المناسبة من الرجال والنساء لا يقول أحدهم أنه يجتمع مع أمير في صلة رحم مباشرة ولكنهم جميعا أبناء فروع من ذلك التاريخ مسجلين في ديوان الأسرة ويتشرفون بتعاقب هذه السلالة في قيادة شؤونهم الاهلية وقالت لنا أن الجد الاكبر ومعه خمس عشرة اميرا تعاقبوا في قيادة الأسرة يقع مرقدهم في وسط القرية في مقابر يوحي منظرها بأنها لعظماء قلدهم التاريخ وصمتت قليلا ثم قالت اكل هذا صحيح يا أمير أطرق متواضعا وقال هي صادقة قالت والله يا امير منذ ان تعرفنا عليك كنا نجتهد للمعرفة عن حياتك الخاصة – من أنت من بين بني البشر- ولكننا لم نتحصل على هذه المعلومات واجتهدنا وقالو للمجتهد أجران ، وإزاء الحال فنحن نعتذر لك قال أفصحي يا بنت كرومه قالت نغلق موضوعكما مع نصرة ونكون احد فروع العشيرة وهنا انتفضت نصرة التي كانت صامتة طوال الجلسة : والله لن أتنازل عنه وهو يمتلك كل هذه المعلومات من قبل وانحنت إلى إقبال التي إلى جوارها وقد أخذت صديقتيها هن الأخريات تمسحان الدموع بالمناديل قال أمير وصدقت نصرة ومسح بيده على ظهرها ولم يعهد له قط إلا مس كفها في مصافحة السلام وانصرف في الايام التي تلت تلك الجلسة أحست نصرة وكأن مشاعرها تجاه أمير اصبحت اكثر ثقة ورسوخا من أي وقت مضى واخذت تحس بأن هناك قوة سحرية تقف معها تدفعها للتغلب على الصعوبات التي تواجه مشروعها مع امير وبدت اقوى شجاعة من زميلتيها اللائي قاربن على ان يلقين السلاح واضحت هي التي تحضهن على الاستمرار في مواصلة الزيارات مع صديقاتهن من معارف امير وتغريهن وتلح على عدم التهرب والتطرق للموضوع في كل جلسة تجمعهن معه وبدت تظهر في قاعة المحاضرات وفي الجلسات التي تجمعهن مع أمير اكثر حيوية ونشاطا وطلاقة عكس صديقتيها اللائي اصبحن لا يكدن يجدن ألسنتهن عند الحديث مع أمير وفي إحدى الجلسات العابرة وبعد استئذانهن بالوداع قالت نصرة واما انا فساثقل ظلي وابقى مع أمير وهرولت زميلتيها من فرط الخجل جلست على البنش إلى جواره واستقبلت بمحياها وهي متبسمة وكأنها تريد أن تقول ها أنا ذا قوية وأن عزمي لن يخور لم يخالجني شك باني فائزة قالت قال امير وكيف بدأت تعقد أصابعها تعدد : لأنك قلت صدقت زبيدة وقلت لنا بعد ثلاثة أيام انه يشرف قدرك الهدية وقلت الأمر ليس بالسهل ورجوت منهن المعاونة ، ولكن للأسف أصبحت أنا التي أعاونهن وأدفعهن دفعا للتمسك وقد رأيتهن من قليل وهن يفررن فرار الجآذر وقلت من قبل أنك كنت لا تريد أن تفتنني في مشوار تظن أنني لا أقوى على السير فيه وسبق أن سألتني هل فكرت أن أكون شريكة لك وايضا عندما سالتك هل أنا أصلح لك أجبت بأنني أصلح لإنجاب البيرق ويومذاك إذ حلفت أنني لن أتنازل عنك قلت وصدقت نصرة أخي منذ أن تعرفت عليك لم اعهد قط أنك فشلت في أمر قد أقدمت عليه بمحض إرادتك رأيت بالأمس رؤية غريبة زارتني أمي وعانقني قائلة وأين ابن أختي قلت من هو ولكنها تبسمت ولم تجاوب يا أمير انا لن أتنازل عن حقي ورغبتي لأشياء لا أعرفها إلا أن يقع الطلاق بيننا وصمتت قليلا ثم تنهدت وكأنها أنهت خطابا فلسفيا تريد أن ترى أثره تبسم أمير وقال سبحان الله أكل هذا من مسحة واحدة قالت والله تلك كانت كشاحنة كهربائية أعطتني ومن وقتها قوة ما كنت أملكها واعلم أن فيها سرا ولكنني استحيت ان أسألك عنها قال وأما إذا كانت مرتين فستقبضين بكلتي يديك على كفي وتقفزين كبنت الخامسة دون أن تستحي وضحكا وعندما أهمت بالانصراف أشارت بإصبعها أنا متمسكة بزيارة الدرة في الإجازة قال والله الموفق ولحقت بصديقتيها في المسكن واللائي استقبلنها وهن مضطربات يرنين من طرف خفي وكأنهن لا يطقن معرفة ماذا حدث بعد فرارهن سلمت وقالت أين ساندويتش البيض انفجرت صديقتيها بالضحك قالت ابتهاج منذ أن حضرنا لم تصل الماء إلى حلوقنا من فرط شفقتنا ومخافتنا عليك وتأتي لتسألي عن الساندويتش قالت والله ! ومماذا تخافين من أمير يخطفني ويطير بي قالت اقبال وإذا لطرنا من الفرح ، لا تستهزئي بنا وقلوبنا مقطوعة فقد خفنا والله أن ينهار أعصابك وكنا قد فررنا وتركناك لوحدك قالت وهي تضحك وإذا لمسح على ظهري وصرت رجلا جلدا ، تهدينني وتفرن ! وكان أمير قد رجاكن الوقوف إلى جواره والتفتت إلى اقبال قائلة وهذه أنت التي تقولين لو كنت رجلا لجالدت دوني السيوف وبكت صديقتيها وأخذت هي تمسح على ظهر كل واحدة وتقول لا عليكن انتهت دورة الاتحاد التنفيذية والتي سميت بدورة صداقة الجامعة والمجتمع ، وقد تميزت بالإنجازات الحافلة اهمها تلك المسودة التي تحمل الرؤية لدور الطلاب في قيادة التغيير في المجتمع والتي اودعها مدير الجامعة في ملف ضمن مشروعات التطوير وكان قيادات من التنظيمات الطلابية في الجامعة قد تناقشوا واجمعوا على ضرورة ان يتقدم أمير لرئاسة دورة الاتحاد المقبلة واتفقوا على ان يرشح اسمه في كل القوائم المتنافسة حتى يضمن له الفوز في كل الاحوال ويقوم التنظيم الفائز ومجلسه الاربعيني بإعلان أمير رئيسا لدورة الاتحاد التنفيذية ليتسارع التنظيمات الأخرى بالتأييد والمباركة فهم يجمعون في موقفهم بان أمير هو أنسب من يتقدم مسيرة الطلاب ويقود التغيير المنشود ولدى ملف الاتحاد الجديد القادم اهم التوصيات التي تتصدرها مشروع بناء الدار الجديد لاتحاد الطلاب وتغيير الدستور وإنشاء المكتبة الثقافية وربط افرع الجامعة بالأسطول الدائري لنقل الطلاب وتكونت لجنة التقت امير وشرحت ما أجمعوا عليه وحشدوا دوافعهم لذلك وفي الاجتماع شكرهم امير على الثقة مؤكدا ان ما قامت بها الدورة المنصرمة هي مجهودات لكل الزملاء وما أمير إلا قلما كان يسجل المقترحات والافكار ويصيغها ويقدمها في المناشط وقال معتذرا : تعلمون ايها الإخوة أنني لا أميل الى العمل السياسي رغم انني مقتنع تماما ومدرك للدور الحيوي الذي تطلع به التنظيمات السياسية في الجامعة والتي تعتبر الجسر الاساسي الواصل بين الجامعة والمجتمع كما جاءت في مسودة التغيير وانني لا أريد تمييع هذا التنافس السياسي الحيوي والصراع البناء الى قضايا الأبنية والتحسينات وانا كطالب في هذه الجامعة ومن خلال علاقاتي الشخصية مع الأطراف كلها أرى أنه واجب علي تلبية أية دعوة ولكنها ليست بالصورة الرسمية التي تقترحونها وانتهى الاجتماع وأدرك الأصحاب إنهم ربما لا يستطيعون مقارعة أمير الحجة ولذلك راوا ان يتوسطوا إلية بالسيد عميد الفلسفة لمساعدتهم في تليين مواقفه واستأذنوا العميد في مكتبه وشرحوا موضوعهم واجتماعهم بأمير وعدم تمكنهم من اقناعه وتحدث لهم الدكتور قائلا : أشكركم على هذه الزيارة الكريمة . وجميل ان يتواضع الجميع على أهداف مشتركة ويسعون الى تنفيذها واتفق معكم بان أمير هو صاحب موهبة وإبداع وهو يصلح أن يكون عالما أو مفكرا ونحن في القسم نتنبأ له بذلك ولكنكم تعلمون ان جل الفلاسفة والعلماء والشعراء والمبدعين لم ينشأوا في بداية حياتهم في بلاط السلاطين فمحلهم نبض الشارع ، فهم يتعاملون مع الاحداث بعيدا عن حجب السلطان وبرتوكولاته ويستنبطون من خلال التعاملات نظرياتهم العلمية والفلسفية وتعبيراتهم واشعارهم انني ارى من وجهة نظري لا تغلقوا امير في المواعين السياسية والنقابية الضيقة بل اطلقوه حرا فهو صاحب اسلوب فريد وسيتفجر بالعطاء الزاخر في مقبل أيامه في المجتمع واقول لكم انه قد زارني مرات عدة لمناقشة افكار وأوراق كان يعدها في موضوع المناشط الطلابية ومسودة خطة التغيير قبل إجازتها في المؤتمر الطلابي . وقد سعدت كثيرا بالأفق الواسع لهذا الطالب إن السياسيين المرموقين هم الذين ينجحون في التطبيق السليم للأفكار والمقترحات التي قد تأتي من بيوتات خبرة مختلفة ولكنها تحتاج الى الكادر المناسب للتنفيذ والتقويم وانتهت مجهودات اللجنة بالفشل في تحقيق غرضها لي قامت من أجله ولكنها تعرفت بالقطع على بعض المبادئ الهامة في فلسفة وسلوك الممارسة السياسية الهادفة وقد قابلت الاوساط السياسية في الجامعة هذه النهاية بالرفض والاستهجان الشديدين وحظيت ردود الافعال بمساجلات كلامية حارة حتى ان البعض اتهم التنظيمات السياسية بالأنانية وعدم التحمس . واعلن بعضهم انهم سيسعون لإعداد قائمة انتخابية منفصلة من الطلاب العاديين غير المنتظمين في الانتماءات السياسية على راسهم أمير ويطرحونها للمنافسة وإزاء تلك الضغوط اضطرت اللجنة للإعلان عن مؤتمر صحفي لتوضيح الحقائق . ودعت عميد الفلسفة للمشاركة وتعزيز موقفهم والتحدث في قضايا الأفكار والأدوار التطبيقية وكان اللقاء ناجحا وفريدا فبالإضافة الى توضيحه للحقائق والمعلومات المقنعة جاء بمثابة ندوة علمية هامة أخذ كثير من الطلاب يلخصونها في مدوناتهم وانتهت دورة الاتحاد وقامت الانتخابات وجاء الاتحاد الجديد الذي أقام احتفالا تكريميا لعضوية الدورة السابقة قدمت فيه الوشاحات ولوحات التكريم والشهادات والإشادات التاريخية خاصة لشخص السكرتير الاجتماعي الذي أعلنه الاتحاد الجديد رئيسا فخريا للدورة وبانتهاء امتحانات الدور الأول ودخول الإجازة الصغرى التقى أمير زميلاته الراهبات على عجالة قائلا تعالجين عندي لكن مفاجأة ، وقدم مظاريف وقال تجهزن فقد تم تأكيد الحجز ليوم الجمعة وانصرف هرولن على الفور إلى المسكن ليفتحن المظاريف ويجدن فيها تذاكر سفر ومبالغ مالية رجعن مسرعات وقابلن أمير دون ان يفكرن ماذا يقلن قال واستعجلتن السفر قالت ابتهاج ما هذا يا امير قال مظروف واحد قالت وما فيها قال كانت تذكرة سفر ومصروف قليل قالت هذا مصروف قليل وماذا نعمل بها قال تشترين بعض الاحتياجات الشخصية والملابس وكذا قالت وهذا أكثر من ثمن الشنطة والملابس وكذا ، وهل نحن لا نعجبك بملابسنا هذه قال مهلا يا بنت كرومه الضيف في يد المضيف وانتن ضيوفي بدأ من نهار اليوم ، ومن حقي ان أعبر حسب سليقتي كما وانني ما رددت لكن طلبا قط تدخلت اقبال إذا كنت تريد أن تذهب لتعرس بنا فاخبر حتى نستوفي الشروط ونذهب لنشتري ملابس الحريم قال وهل يكون المهر تذكرة يا مولاي القاضي وضحك الجميع قالت نصرة وأما أنا فأشكرك وصاحباتي ولكن أخبرنا ماذا نحتاج لنشتريها لهذه الرحلة قال واما الضيافة والمفارش فعلى فرسة واشترين احتياجاتكن الخاصة قالت ابتهاج لا لا اما أنا فلا شيئ في الدنيا أخافها كخوفي من الحصين ضحك امير وقال هي طائعة ومن بنات الشيخ واقلعت الرحلة في تمام السابعة وفي البداية عمت المجموعة صمت عميق ولم يتحدث أحد وأخذ امير يطل من الشباك على مناظر الاشجار والجبال والفلوات وسرح بخياله حتى همهم جميل والله قالت نصرة من قال السودان وضحك الجميع وانطلق الحديث وقالت الزميلات انهن تهيبن ركوب الطائرة فلأول مرة تجرب أرجلهن صعود سلم الطائرة ودار الحديث وتشعب وشارك ركاب من المقاعد المجاورة ولم يتوقف إلا عند سماع صوت الميكرفون تهنى بالوصول وتطلب ربط الأحزمة للهبوط وفي المطار استقبل أمير جموع من الاهل يتقدمهم ابن عمته الوزير سراج الذي اسطحبهم إلى منزله في داخل المدينة وتقاطر الاهل والاقرباء للتحية وتفانى سراج في إكرام ضيوفه وبعد الغداء تحركت عربتان لتقل الوفد إلى الدرة تحت وداع حار من الحضور وتعهدهم باللحاق وعلى مشارف القرية لاحت أسراب الخيالة يتسابقون في حركات بهلوانية مستبشرين بمقدم أمير واخذ الزميلات يتطاولن من داخل السيارة مهرجات كأنهن فراخ زرزور أتى أمهن بصيدة وجاء الكناني ولدم رادس عقيد الخيالة ووقف أمام العربة وترجل نزل أمير وهو يضحك قائلا ابن العمة وتعانقا قال ولدم رادس حمد الله على السلامة الدرة تتشرف بك يا أمير ومد بصره إلى العربة قائلا لعلك أتيت مغنما قال امير والديوان قال إذا أهدي قال أمير لا املك هن أصيلات من بنات البحر قال البحر ثانيا يا أمير تناول امير اللجام وضرب على صفحة الحصان واعتلى السرج التفت ولدم رادس إلى رجاله صائحا اوقفوا السباق وتقدم شاب ودفع بحصانه قائلا خذ ابا جوهر واعتلى ولدم رادس الصهوة وتقدم أمام أمير والشبان يحفوهما وهم يهتفون ويرفعون الأعلام الخضراء وتوقف الموكب أمام المنزل وعلا الهتاف والزغاريد وترجل الفرسان ونزل أمير وتقدم الشيخ الطويل ومن حوله الرجال وفتح ذراعيه ليشمل بهما ابنه الذي طال شوقهما وبكى أمير في حضرة والديه ومدت فرسة منديلا ليمسح به الدموع وتقدم سراج ومعه الزميلات معرفا السلام عليكم يا خال ، هن زميلات حضرن مع أمير لزيارتكم قال الشيخ الجهور مرحب بناتي . وتقدم إلى أم فرسة والدة أمير وقال السلام عليك يا خالة ، هن أميرات حضرن مع أمير. وهو يضحك قالت الشيخة مرحب بناتي ومدت يدها مصافحة . وعندما وصلت إلى نصرة التي في آخر المجموعة أمسكتها واطالت السلام وقالت ما اسمك . قالت إسمي نصرة الفاضلابي تبسمت ومسحت على ظهرها وقالت ما شاء الله تبارك الله ، والتفتت إلى فرسة قائلة خذي بنت البيرق وصاحباتها إلى الداخل قال سراج يا فرسة أين ابني التوأمين قالت ذالكما على ظهر فرس الكناني .قال وعلاهما السرج قالت أخوك لا شغل له غير اعتلاء السروج انشغل امير في استقبال ضيوفه الذين يأتون للتحية ولم يتسن له مقابلة زميلاته الضيفات إلا مساء اليوم الثالث في اللقاء الذي أقامته فرسة لتحية بنات الدرة وفي حديثها في الاحتفال قالت اقبال نحن في الجامعة لو كنا نعرف كل هذه المكانة لأمير لضربنا حوله الحجاب وقالت إن موقع أمير وسط زملائه في الجامعة يقارب أن يصل مكانته عند اهله هنا وهم لا يعرفون أن أمير ملك في بلاده ، وما ترددنا ونحن زميلاته في مرافقته كل هذه المسافات الطويلة لزيارة أهله في هذه القرية الجميلة ولو فتح المجال لامتلأت عن جنباتها بأصدقاء أمير من طلاب الجامعة واتجهت لفرسة يا أم الجوهرين لو خيرنا لتركنا الجامعة والأهل وجلسنا إلى جوارك لنتعلم هذا المنهج الفريد في تأليف القلوب ، اننا لم نسمع بامرأة تحظى بمكانة في قومها كما حظيت الأميرة فرسة إلا في كتب التاريخ لأميرات في العصور الغابرة وأخذت تسرد المفاجآت المتتالية التي ظلت تدهش بها الاميرة وقصة الخروف المحمر الحامل بداخله الفراخ والحمام التي تحمل البيض ، وقصة الاقاشي والبركيب وتحدثت ابتهاج والتي أمتعت الحاضرين وأضحكتهم بقصص واعاجيب من عادات أهلها في شرق السودان وتقاليد الزواج وعادات التعامل بين الرجل المرأة . وكانت ابتهاج قد نشطت في تصوير اللقطات التذكارية وكأنها قد تصدت لتوثيق الرحلة وتحدثت نصرة قائلة حضرت في صغري حياة جدتي لأمي المتن بنت الحلاج وكنت صبية لا أذكر كثيرا من احداث تلك الفترة . وعندما جئت إلى هنا ورأيت أمنا الشيخة حضرتني صورة كاملة لجدتي وسبحان الله يخلق من الشبه أربعين كأنها أم الشيخة . أنني أحس ومنذ وصولي إلى هذه المنطقة بأنني بين أهلي ووالدي . هناك وجه للشبه قويا بين أهلي وهذه الأسرة وتحدث أمير وبعد عبارات والشكر قال يا فرسة لا شك انه في غربتي في هاتين السنتين فيكن من زادن وفيكن من يرغبن في الزيادة وضحك الجميع واخذن في همهمات قالت فرسة اثنتا عشرة جوهرة قد اكتمل تزيينهن وستقوم بتزويجهن في الجمعة ، وهن معنا الان في هذه الجلسة وهن يتدارين ملطخات بالزين قال فقط دستة وهل فيهن الكنانية قالت لا توجد عندنا أخريات بلغن التمام ، وجوهرة يا امير سيتم زواجها في وفد البيرق قال إذا لكل واحدة منهن بقرة دارة لتؤمن لها الحليب وعلى ابني جوهر تولي هدايا الازواج ضاما بيديه التوأمين قالت فرسة وعلى ابن الكناني حصان لكل عريس قال وعلي للمجلس السكر والشاي واللبن والدقيق والزيت والسلام وفي اليوم التالي وعند العصر كان احتفال أسرة مدرسة الشيخ البدوي الأولية المزدوجة وخلوة الأغبش بمقدم الضيوف أمير وزميلاته الطالبات وتحدث في الاحتفال الاستاذ الضو بحرالدين المشرف التربوي قائلا : اولا لابد أن أذكر في هذا المقام مآثر أبونا الشيخ البدوي رجل الدرة طيب الله ثراه فهو صاحب الدور الرئيس في تأسيس هذه المدرسة ، وأذكر أننا ابتعثنا الى الخرطوم شخصي هذا والاخ مدير المعارف بالمديرية والشيخ البدوي ذلك في مطلع الخمسينيات قبيل الاستقلال ، التقينا الأحباب في البقعة وأوصلنا السيد الإمام الى معالي وزير المعارف الذي صادق مشكورا على تصديق هذه المدرسة وكنت أول مدير لها أشرفت على تشييدها وافتتاحها في العام ١٩٥٢ قبل الاستقلال وسميت باسم الشيخ تخليدا لدوره ومساهمته في بنائها . واتشرف أيضا أن من بين أوائل الذين تتلمذوا على يدي فيها ابني أمير وآخرين كلما أذكرهم أزداد بهم فخرا . اتمنى أن يقتفي أمير أثر آبائه الكرام الذين خدموا البلاد وقدموا الغالي والنفيس من أجل رفاهية أهلهم الطيبين وخاطبت الاحتفال الشيخة دار السلام أم المهاجرين قائلة : يرحم الله أبانا البدوي فقد تعلمنا القرآن على يديه وكان دوما ما يحث الناس على الاهتمام بالعلم ، وهو الذي جاء بفكرة المدرسة ذات الراسين مدرسة للتلاميذ وأخرى للتلميذات متجاورتين وتحت إدارة واحدة ولا أزال أذكر مقولاته المشهورة في الخطب لا فائدة لعلم بلا عقيدة وعلى الناس أن يعرفوا أمور الدين والدنيا معا ، عقلي في الرأسين وقلبي في التقابة وساظل دوما راعية لطلبة العلم في المدرسة وفي الخلوة حتى ولو اتسعت لتشمل أهل الدرة باجمعهم ، وجزى الله خيرا الاستاذ الضو فقد خدم التعليم لأكثر من ثلاثين سنة ولايزال ،ادعو ابنائي المدرسين والشيوخ للاجتهاد في البراعم وحسن تربيتهم إنما نقاس أمام الناس بأخلاقنا وتحدث أمير قائلا : نسال الله الرحمة لروج جدنا فقد كان داعية وسنسير على طريقه لخدمة العلم وأهل العلم وقال منبها يا اخوتي واخواتي مررت على ديار كثيرة رأيت الناس كلهم يتسابقون لتحصيل العلم ونيله ودونكم هؤلاء الزميلات هن من أرياف مثل الدرة ولكننا نتزاحم كتفا بكتف في تحصيل الدراسة في الجامعة وربما يفوتني ، ارجو ان لا نصير في مؤخرة الركب . سنسعى إلى تأهيل وتطوير المدرسة وتأهيل الحفظة في أمور الفقه والدعوة وأقول للشيخة يمد الله في أيامها سألتزم برعاية كل طالب وطالبة من الدرة يدخل للجامعة حتى يتخرج وهذا عهد مني والتزام علي ما حييت تفرغت فرسة في الأيام التي تلت هذه المناسبة لمصاحبة صديقاتها بنات البحر وتعريفهن على المعالم الرئيسية في القرية ، السوق والمدرسة وخلوة الأغبش والوادي المسمى ببحر الدرة يبعد بنحو ثلاث كيلومترات الى الشرق وهو العمود الفقري لاقتصاد المنطقة يذكر في منظره للوهلة الأولى بالنيل العظيم وتمتد الى جنباته الحقول الزراعية التي تنتج المحاصيل وقصب السكر والاشجار المثمرة والأعلاف ومن ورائها مناظر المضارب وفرقان الرعاة بألوانها وتشكيلاتها الزاهية . واخذتهن إلى جنينة النعمان والتي تعد من اهم المعالم السياحية والاثرية في القرية وكانت تأخذهن معها في الأمسيات الى الطواف للإشراف على تجهيزات عروسات الجمعة . وصحبتهن في أمسية إلى مقابر الدرة التي تقع إلى الشمال من القرية على نحو كيلومتر تحفها أشجار البان الطويلة من الخارج والسيال والقمبيل وأخذت تعرفهن على مراقد أجدادها وجداتها وتحدثت اليهن مطولا عن سيرة الدرة قائلة : قريتنا القديمة أنشأها جدنا الشيخ الطاهر وكانت تقع الى جوار الوادي اسمها الرخا ، وفي زمان جدتنا الدرة بنت مالك فاض البحر واجتاحت الرخا السيول أثرت في الناس والمنازل والأنعام فتم نقل القرية الى الموقع الحالي في جنوب المقابر وسميت باسم جدتنا الدرة لاستبسالها وتفانيها وكانت تخوض غمار البحر لإنقاذ الأطفال حتى غرقت في السيل فسميت تخليدا لذكرى الأميرة ، ونسبة لما جرت عليه العادة فالناس لا يطلقون اسم الدرة حافية فيقولون أمي الدرة والحدث والصبيان لا يستطيعون نطقها ويقولون مايدورة ودارة وميدقري فتحولت الى ميدقري ودارا في بعض الأزمان والآن استقرت في الاسم القديم الدرة . وجدتنا الدرة لها ثلاث أبناء البيرق والشريف الجزولي وهو الأمير الثالث عشر في الديوان وذاك مرقده ، ونجفة وهي الصغرى وتنسب لأمي جدة أمها وترقد بذاك الناحية . وسألت نصرة واين مرقد جدتي البيرق ؟ طأطأت فرسة رأسها وكأنها تبكي وقالت لا أدري وضعت نصرة يديها على كتفي فرسة قائلة أحك لنا هذه السيرة حتى ولو كان فيها المحازن فنحن أصبحنا جزءا من ذلك التاريخ وحكت فرسة قصة جدتها الأميرة المفقودة في الديوان وقالت إن مساحة مرقدها خالية تقع أمام مرقد أختها النجفة وصمتت قليلا ثم همهمت ياليتها ليلة منها سينتظم الشمل كما وحكت لهن قصة جدتها أم الدرة تمر الجنان الغزال وهي التي في عهدها حرم صيد الغزال وتنفيره ، وقد اشتهرت بتقاليد تحنيك المواليد الجدد بزبدة الغزال ، وكانت الريم ترتع في فنى دارها وقد الفتها حتى انها تحلب من اضراعها دون أن تضع لها القيود ، كما وقد الفتها الهدايل والطيور التي كانت ترك على كتفيها وتطير معها تظللها عندما تسير . وجاء يوم الجمعة وبعد الصلاة تقدم أمير لعقد القران للمتزوجين ، وبعد أن حمد الله واثنى عليه حيا المصلين قائلا فيما علمت لم تتبق في الدرة عازبة من المكلفات لم تتزوج الا عروسات اليوم . وصمت قليلا ثم قال وهذا أيضا حمد آخر بأيتهن نبدأ التزويج وكلهن يحفظن القرآن وأخذ الناس في همهمات ونهض الأغبش قائلا بسم الله وبعد السلام يا امير نبدأ العقد بأمة الله هاجر بنت أبي الرخا كاتب الديوان فهي أحسن حفظا وتدرس حلقات النساء في الفقه على المذهب المالكي قال امير تبارك الله وتم القران وأقيمت دعوات الاحتفال بهذه المناسبة وكان بحق عرسا لقرية الدرة فقد جابت المواكب الشوارع والعرسان على صهوات الخيول يزفون جيئة وذهابا والفرسان يتبارون في السباق في ميدان النقعة وبعد صلاة المغرب قالت فرسة لأخيه أمير جهزت شنطتك ولدينا سفر قصير قال الى أين قالت وسيكون بعد ساعة اذهب وابحث لك عذرا عند اصحابك وبعد وقت وجيز استأذن سراج والذي كان ضمن حضور المناسبة وقال هيا يا أمير قال الى أين قال سراج الى حيث قالت فرسة وهنا عرف امير أن فرسة قد أعدت لها مفاجأة بالتنسيق مع حماها استأذن امه وأباه وهو خجلا وقال أن فرسة وحماها قد أعدا لي فخا وحزما شنطتي وطلبا مني السفر ولا ادري إلى أين قالت الشيخة على بركة الله وانا أعرف إلى أين وقال الشيخ تصحبكم السلامة وتحرك الوفد ليقضي الليلة في ضيافة سراج وبعد الصبح قال وهو خارج إلى المكتب تجهز يا أمير رافقتكم السلامة العربة جاهزة والسائق ، وخرجت الاميرة وصديقاتها قاىلة صباح الخير هيا يا امير قال إلى أين قالت سنذهب في رحلة إلى جبل مرة قال اونسوح في ديارنا وخرجت النساء تودعن وتحملن العربة بالحافظات وحلل الطعام وكأنهن سهرت في الاعداد وغادر الموكب قبل الشروق وانطلقت العربة تعبر تلك الطرق الوعرة الى غرب جبل مرة وفي كل منطقة يمر بها يتجول الوفد ويأخذ اللقطات التذكارية وتقدم الأميرة الهدايا للأطفال وتنشطت ابتهاج في الأسئلة والتدوين . ومرت القافلة على القرى كاس وطور ونيرتتي ومرتجلو وصولا الى قلول في الظهيرة وحط الركب في الاستراحة في إحدى الأجنحة وبعد قسط من الراحة والغداء قام بالتجوال في الحقول والجداول والشلالات التي أهمها شلال ثاورة الذي يبعد بمسافة كيلومتر من الاستراحة واخذت ابتهاج تلتقط الصور لمنظر الشلال يسكب الماء من أعلى الجبل إلى البحيرة وأمير يشرح معالم هذه المنطقة وما يشتمل عليه جبل مرة من مناطق سياحية أخرى في سوني ودرباد وزالنجي وما تحتاجها من اعداد وترويج لتصبح من أهم المناطق السياحية في السودان واخذت الأميرة ترقب أخاها وهو يتحدث وكأنه مديرا لإحدى هيئات السياحة جاء ليشرح الامكانات السياحية لوفد أجنبي زائر قالت أوأنت تقرأ هذا في الجامعة ضحك أمير وقالت نصرة اخوك عالم في كل شيئ يا أميرة قالت وهي تبسط أصبعها كأنها تبدي حيرة إلا في شئون النساء وضحك الجميع وعادت المجموعة الى الاستراحة لتظل تسمر في تلك الليلة المقمرة في صحبة الأطعمة الشهية والفاكهة إلى وقت متأخر لينصرفوا لأخذ الراحة استيقظ أمير بعد الشروق على إثر حركة من سائق العربة في الخارج وبعد أن أدى الصلاة تقدم الى جناح الأميرة وضرب بقلمه على الشباك قائلا اليوم قد أضحى وبعد وقت وجيز جاءت الأميرة وصديقاتها يحملن الشاي والمرطبات قال سبحان الله وكأننا نفضنا عن أنفسنا غبار السنين قالت الأميرة : والله ما صحونا إلا على إثر نقراتك وقالت اقبال أصبحنا نعيش في جنة يا أمير قال : ومقصورات في الخيام قالت : ومعنا مقصورة قال : من هي قالت وهي تضحك لا أدري ربما تكون الأميرة قال : تفضلن بالجلوس وأثناء الدردشة سمع أصوات وهتاف خارج الاستراحة وخرجوا مسرعين ليجدون رحلة مماثلة قد حطت في الجناح المجاور قال أمير إنها رحلة لتلميذات من زالنجي انتفضت الأميرة وتشمرت وكأنها تستقبل ضيوفا في دارها وتقدمت : مرحبا بالمشاعل وصحبت المعلمات الى جناحها إلا واحدة تخلفت لترتيب أمور التلميذات وبعد الترحيب وتقديم الواجب عرفت قائلة : أنا أختكم فرسة بنت النعمان من قرية الدرة وذاك أخي وزميلاتي حضرن من بلاد البحر وهن طالبات في الجامعة جئنا في زيارة الى الجبل وجاء أمير متهللا وبعد التحية والسلام قال يا سبحان الله رغم أننا صرنا راشدين فقد أحسسنا بهذه الرحلة وكأنها غسلت قلوبنا بماء الثلج فكيف بالبراعم ، أن مثل هذه البرامج تزرع البسمة في نفوس اليافعة وقالت المديرة بعد التعريف بنفسها انها قد تلقت دورة تدريبية في الجامعة في مجال التربية ، وقالت أن القافلة الطلابية التي جاءت من الجامعة في الصيف الماضي قد استضيفت في مدرستها وبعد ان استأذن للانصراف قالت فرسة يا أمير نريد أن نستقل السيارة لمشوار قصير قال أرجو أن لا تفرن وتتركني مع البلوم قالت : وإذن لصرت أمير البلوم وذهبت الأميرة وصديقاتها الى قرية مجاورة وعدن وهن محملات باحتياجات الضيافة ومعهن سيدتين ورجل من الأهالي قال أمير : لعلك تريدين إقامة عزومة قالت : سأساهم في إعداد الطعام للمشاعل ، والتفتت الى إحدى النسوة اللاتي حضرن معها وتجهزين الطعام قبل الثالثة ؟ قالت نعم انشاء الله وقالت الأميرة إذن سنبدأ على الفور ، وذبح الرجل الخروفين بمساعدة أمير واتجهت فرسة وصاحبتها نصرة للمساعدة في إعداد الطعام بينما تولت اقبال وابتهاج اعداد الخبز والفطيرة وعند الظهر تقدم أمير ومجموعته للمشاركة والتقاط الصور مع الرحلة المدرسية وقبيل الغداء استأذنت فرسة بان تسطحبها بعض التلميذات لمساعدتها في شيئ وجئن محملات بقدور الطعام والفطائر والحلوى وحقائب فيها هدايا قالت فرسة هذه هدايا بسيطة لبناتي التلميذات وبعد الغداء وفي جلسة التعارف مع الرحلة المدرسية تحدثت المديرة قاىلة : إن هذه المصادفة التي جمعتنا مع هذه المجموعة ستظل ذكرى لا يمكن تنسى أبدا . ومن المعاني الطيبة لهذه المصادفة أننا التقينا نموذجا للطالبات الناجحات اللائي عبرن لمصاف الجامعة . وهذه كلها هدايا تصدقت بها هذه السيدة المحسنة للتلميذات ولا شك ان هذه السيدة واهلها يتصفون بالقيم الاصيلة والمحبة للعلم ولطلبة العلم وقدمت امير لمخاطبة الرحلة المدرسية وتحدث امير وحيا العلم والمعلمين والطلبة واشار الى اهمية تعليم البنات ودور المرأة في المجتمع وقال اتمني ان اراكن جميعا في المواقع المتقدمة في المجتمع طبيبات ومعلمات وموظفات ، وتحدث عن زالنجي الجميلة ومعرفته السابقة بها وعن شواطئ وادي أزوم واريبو ومزارع قصب السكر وأحياء المدينة . أم دفوفو وكنجومية والحصاحيصا وحي الموظفين ومدرسة جبل عصيدة وقد استقبل حديثه بالهتاف الداوي والتصفيق ، وتدخلت المديرة قاىلة لابد ان تزوروا معنا زالنجي حتى ولو ليوم واحد ووافق أمير قائلا : سنعرج معكم الى زالنجي ونغادر من عندكم غدا بعد الظهر انشاء الله عاد أمير ووفده الى الدرة في مساء اليوم الثالث ، واستقبلتهم الشيخة : عودا حميدا يا ولاد يا فرسة أخرنا حفل ضريرة العروسات يوما في انتظارك قالت عفوا يا أمي فقد مد أمير يوما زرنا فيه زالنجي قالت : جميل ذلك ، العروسات رفضن الخروج بالأمس إلا بعد حضورك وقد أمرت بخروجهن اليوم وذهبت خمرت رؤوسهن بالمسك قالت فرسة : وذاك تشريف سيكتب في الديوان يا شيخة قالت ليكن فهن مشرفات أصلا بالقرآن وفيهن بنت أخيك كاتب الديوان كانت الشيخة ومنذ قدوم ابنها ووفده يتملكها احساسا قويا يجذبها نحو إحدى زميلات ابنها الزائرات وظلت تداري ذلك وترقب من بعيد ولكن احساسها في كل يوم يزداد يقينا واحيانا يسبقها لسانها فتقول لها وأنت يا أمي كان احساس الشيخة الداخلي يقول لها أن هذه السمراء الفارعة التي تكسوها الهيبة والوقار ذات اللثة الخضراء والتي تبرق في المحيا وطريقة مشيتها وأسلوب حديثها ، تحمل ختما لهذه العائلة ويبدو انها قد غلبها هذا الظن واحزمت امرها وهي تعلم ان إقامة الضيفات قد قاربت الانتهاء قالت : يا فرسة اريد شيئا قالت فرسة : وماذا تريدين يا أم فرسة قالت : أريد ان أجلس مع إحدى صاحباتك وأرجو ان يكون بطريقة لا يشعر لغرابتها أحد حتى لا يحدث بلبلة في العشيرة قالت فرسة : وانا أعرف التي تريدينها وسأفعل بالطريقة التي تقولين قالت : تعرف أجابت وهل أنا إلا أنت يا أمي ، هي التي تبرق في المحيا وبعد تناول الإفطار قالت فرسة يا بنات سنتوزع اليوم لزيارة عروسات بنت أبي الرخا ، وسنسليهن بالأخبار والصور التي رأيناها في الرحلة وكل واحدة منا ستذهب لتزور ثلاثة عروسات بمفردها ، وتسابقت اقبال وابتهاج في الاختيار وظلت نصرة صامتة وكأنها تستحي ان تذهب لمفردها التفتت إليها فرسة قائلة وإذا ستذهبين لتطبقي شعرات ابنتك . قالت ابنتي جوهرة قالت فرسة : التي تقول لك وأنت يا أمي. تهللت وقالت انا أحب أمي الشيخة يا أميرة قالت فرسة : وهي ايضا تحبك وكلنا نحبها وخرجت فرسة وصاحبتيها وتركن نصرة في المنزل لوحدها وحضرت الشيخة محيية قالت نصرة : تفضلي يا أمي الأميرة والاخوات تركني لأصفف لك صافحتها الشيخة ومسحت على ظهرها وقالت أجلسي أخبريني عن الرحلة الجميلة التي ذهبت إليها مع إخوانك جلست نصرة واستخرجت الصور التي التقطنها في الرحلة وأخذت تقلب فيها وتتحدث بكلمات متقطعة وهي تنظر إلى الأرض ، ما رأيت مناظر مثل هذه من قبل . الناس طيبون . هل زرت الجبل يا أمي أمسكت الشيخة بالالبوم ووضعته جانبا أخبريني من أين أنت يا بنتي قالت من قرية السلمة في الشمالية على البحر قالت الشيخة : أمك حية قالت : نعم قالت الشيخة : يمد الله في أيامها وما اسمها قالت : رقية بنت الشعراني قالت الشيخة : وما اسم أمها قالت : المتن بنت الحلاج قالت الشيخة : والله نعم الاسم وما اسم أمها قالت : لا أدري صمتت الشيخة قليلا وكأنها تنتظرها لتتذكر قالت نصرة : اسمع أمي وأخوالي يقولون أن جدتهم النجفة بنت الشيخ وهم يتحسبون بها ولا أدري أيتها جدة اضطربت الشيخة وتحركت وهي ترتجف وكأنها تحاول أن تقوم ولم تستطع وقالت هي أمي النجفة بنت البيرق وضمت نصرة إلى حضنها وعانقتها ثم أقعدتها ويديها على كتفي نصرة وأخذت تنظر إليها باهتمام شديد ، والله يا بنتي منذ أن استقبلتك وانا احس بأنك جزء منا ، أنت تشبهين أمهاتي في صفاتك كلها وارجو أن لا تذكري إحساسي هذا لأحد وسأكلف ابني لمعرفة الحقيقة ، القلب ينظر قبل العين وستصدق مشاعري ويكون لذلك شأن عظيم فنحن نبحث عن رحم منا في تلك الناحية وأزاحت خمارها وقالت سرحي شعرات ابنتك حتى تبر بكلامك واستخرجت فتيلا فيه الخمرة قالت نصرة : إنما أنت أمي واصلحت شعر الشيخة وادهنته وغطته بالخمار قائلة شرفتمونا يا امي قالت الشيخة : لا عاش لك عدو وشرف الله قدرك. وانصرفت وفي صباح اليوم التالي حضرت فرسة وصاحباتها الى منزل أمير وتقدمن للداخل قال امير ضاحكا ومادا برقبته : وخمرتهن ما الفخ الجديد يا فرسة وضحك الجميع قالت فرسة : تلك نصرة دهنت أمها بالأمس قال امير : يشرفني هذا قالت نصرة : شرف الله قدرك قال امير : تجهزن ستكون رحلة عودتنا للفلسفة في صباح الجمعة قالت نصرة : ارحلوا واما انا فقد تحولت إلى قسم الآثار قال : إذا ليكون مشروع تخرجك تدهين الكنوز الاثرية وضحك الجميع التفتت فرسة إلى اقبال ماذا يقولون قالت اقبال : لا ذاك كلام الطير في الباقير قالت فرسة : إذا سنتفرغ وصاحباتي لترتيبات الوداع قال وعلى راحتكن وبعد قليل جاءت الشيخة الى منزل ابنها قائلة صباح الخير يا ابني خرج امير مهرولا وقبض على كفيها قائلا صباح النور يا أمي إليك تتوق أشواقي واخذها إلى الداخل واجلسها إلى البساط وجلس باركا إلى جوارها ادهنتك زميلتي الطالبة يا شيخة تبسمت وقالت : من اين هذه الغزال التي تبرق قال : من قرية في الشمال على ناحية البحر قالت : هل زرت القرية نكس امير راسه متطأطأ نعم قالت : متى قال : في الصيف الماضي قالت : آخر يوم في شهر سايق التيمان صمت أمير وهو ينظر إلى الأرض وكانه يسترجع ذاكرته وقال أظنه بالزبط قالت : وذاك في تمام المية على وفاة جدتك البيرق قال : وكيف عرفت يا أمي قالت : لا اعرف ولكن أحك ما حدث لك في ذلك اليوم صمت امير ورفع رأسه للحظات ثم قال : كنا في زيارة لعمل يخص الجامعة في الشمالية وطلبت منا نصرة التي كانت ضمن المجموعة ان نزور قريتها التي ليست جزءا من الجولة وترددت في الموافقة لان ذلك يمكن ان يؤثر في زمن برنامجنا هناك وفي تلك الليلة وفي المنام سطع علي ضوء باهر من ناحية أطلت منها امرأة طويلة فارعة يكسوها ثوب من الحرير الأخضر . قالت وهي تبرق ثناياها تمر بالديار ولا تزورنا ابن النجفة وأخذت تختفي قليلا قليلا حتى خمدت وعند الصباح وافقت على الزيارة وذهبنا للقرية وفي العصر زرت بصحبة أحد الأهالي بعض الاماكن في القرية منها المقابر القديمة وترحمت على كل الارواح وقلت يرحمك الله لصاحبة هذه الرؤية كانت الشيخة ترقب ابنها بعينين جاهظتبن وهو يروي وكأنها تنظر إلى قلبه حتى أكمل حديثه قالت : هل تعرفت على معالم المرقد قال : لا ولكن على مسافة داخل المكان هناك اشجار كثيفة أظنها تشبه ذلك المنظر الذي رأيته في المنام قالت : سبحان الله قال : ماذا قالت : في الليلة التالية قالت لي تلك المرأة شكرا يا نجفة ابنك الوجيه قد زارنا في تمام المية يا ابني منذ ان حضرتم الينا وانا أراقب زميلتك هذه واحس انها إنما هي جزء منا وجلست بالأمس خلسة معها وسالتها عن أصلها وهي لا تعرف كثيرا في النسب ولكنها قالت انها تسمع أمها تقول أن احدى جداتها تسمى النجفة بنت الشيخ وهي ذات حسب ، ربما تكون هي بنت جدتك البيرق سمتها تخليدا لذكرى الاسرة يا ابني ابحث عن هذه السيرة ولا تفشها وانا سأخبر أباك وإذا وجدت دليلا قاطعا ارسل الينا لنبعث أهل الأنساب وفي عصر الخميس اقامت فرسة حفل وداع لأخيها ووفده شرفته الدرة بأكملها واعتلى الفرسان صهوات الخيول منذ الصباح الباكر ، وقررت العروسات إنهاء الهجر وزففن للمشاركة وتبارت الدرة في تقديم الهدايا لزميلات امير ، الحلى والملابس التذكارية والاطباق والبراتيل والتحف والاوشحة والزين المصنوعة من النايلون والمواد المحلية التي نحتت فيها أثلج عبارات الحب والتقدير والاحترام وتقدم الكناني ولدم رادس واهدى لكل واحدة من صديقات ام جوهرة نحتا لفارس على جواد ابيض ووشاحا مطرزا من الحرير الاخضر مكتوب عليه إمارة الدرة وجاء الاغبش متوشحا ببردته انتصب امير على الفور لاستقباله قائلا الاغبش قال حياك الله يا امير وانحنى واضعا برتالا من النايلون فيه ثلاثة عباءات ومصحفا وقال تأخذونها وبحقها رافقتكم السلامة ولوى بعنقه راجعا تقدم امير وتناول المصحف مقبلا وقال أدعوا الله لنا يا أغبش قال وهو رافعا اصبعه بالنجاح والتوفيق ومضى وجاءت فرسة وقدمت لكل واحدة من صاحباتها خاتما من الذهب ولبسة مكتملة من الحرير الاخضر وجزمة خضراء والبست الشيخة كل واحدة سوارا وتقدم ابا فرسة قائلا اشكركن بناتي على هذه الزيارة التي زرعت البسمة في ارجائنا بلغوا سلامنا لأهلنا في نواحي البحر . إن نظام الدرة لا يسمح لي بتقديم الحلى والملابس ولكنني اهدي لكل واحدة قيمة ثلاث بقرات ولكن الحرية فيما تريدين ان تدخرينها ويبارك الله فيها وانتهى الحفل وتعانق الجميع وانسكبت العبرات وانحنت الشيخة بابنتها نصرة جانبا وأعطتها فتيلا ملفوفا في قطعة من الحرير قائلة ختيها في الشنطة ولا تمسيها وكن وصلت بنت البيرق اديها وغادر الوفد قبيل المغرب ليقضي الليلة في ضيافة سراج في طريق العودة صباح السبت وصحف الجامعة تطالع بيانات الترحيب بعودة أمير والراهبات الخضر بعد زيارة إلى غرب السودان وأوضحت السكرتارية الاجتماعية للاتحاد في تغريدتها بان الزيارة تعد منشطا رسميا وتطالب الراهبات بتقرير مفصل عنها واهابت بتبادل مثل هذه الزيارات الاجتماعية بين الطلاب وقالت انه إذا أقيم متحف او مزاد لما غنمتها الراهبات في الزيارة من الحلى والنوادر لكفت ميزانية المناشط لهذا الصيف وانتظمت الدراسة وهي السنة الأخيرة لأمير في الجامعة وقد أمتعت ابتهاج الطلاب في عمودها ” إمارة في السماء” بسلسلة حلقاتها التي تحكي عن قصة زيارتها للدرة مدعمة بالصور النادرة والتوثيقات وبخاصة حكاياتها فرسة أم الجوهرين ، وجنينة النعمان والجبل جنة السودان وفي إحدى جلسات الأنس الليلية في نجائل الجامعة قالت لمياء الطفلة والتي جاءت ضيفة في زيارة لصديقاتها الراهبات : باكر لازم تمش معانا البيت يا عمه قال أمير : نعم أوعدك ولكن في أي زمن قالت : في الصباح قال : إذا أنا أذهب لأغسل ملابسي وأكون جاهزا قالت : جيبها نغسلوها مع البنات … وضحك الجميع قال أمير : شكرا وأنت ضيفة وفي الصباح رافق أمير ونصرة لمياء إلى منزل الأسرة . ودار حديث طويل عن زيارة الدرة وعن ولدم رادس الصديق اللدود للتاج أبا لمياء وعند العصر قالت نصرة لأمير هامسة : اليوم جمعة وغدا تبدأ المحاضرات بعد العاشرة سنبيت اليوم في ضيافة لمياء قال : ولكني لست معزوما لهذا المبيت قالت : على أية حال أريد أن اتحدث معك بعيدا عن جو الجامعة قال : إذا يمكن أن نغشى حديقة الجندول في الموردة نقضي بعض الوقت قالت : أحسن وفي الحديقة جلس أمير ونصرة على إحدى الطاولات وبعد تناول المشروب قالت نصرة : هل شرفك حقا تدهيني للشيخة يا أمير ضحك وقال : أحك ما سرتك الشيخة قالت : هي وعدتني بانها ستخبرك وحكت ما قالته الشيخة وقالت هي حملتني امانة لأوصلها الى أمي الأن هي في شنطتي في المسكن وقد تحولت الغرفة إلى عطارة حتى استحيت ووضعت ملابس الجامعة في شنطة اقبال وابتهاج الزميلات لا يكفن الحديث عن الغرفة الأميرية سأسافر بإذن الله في نهاية الشهر لزيارة الأسرة وتوصيل الامانة والله يا أخي إن مشاعري كلها تقول لي إن فينا رحم منكم وباتت تتملك فكري وسأتقصى مع أمي في سيرة النسب قال امير : القلوب لبعضيها وانا أيضا كنت أحس منذ ان عرفتك انه ربما تكون فينا صفات وراثية مشتركة وأمي الشيخة أضحت اكثر تمسكا في التقصي في هذه السيرة وكلفتني رسميا بالبحث والإفادة ولكنك تعلمين أننا في السنة النهائية والامتحان على الأبواب أرجو أن لا تنشغلي في هذا الأمر حتى لا يؤثر في نتيجتك للتخرج قالت : سوف لن أتأخر ولكن أوعدني أنت بأنك لن تقبل الترشيح لدراسة السنة الخامسة لنيل الشرف قال : يشرفني أن اكتشف للدرة انكم رحم منا وسافرت نصرة لتعود بعد ايام قائلة تقبل سلام أمك بنت العطارة يا أمير قال : ما الخبر قالت : حضرت مع الخال الذي هو الآن عند بعض أهلنا وسيأتيك بساطعة الاخبار في الغد وفي اليوم التالي حضر الخال السنهوري يرافقه رجلان من اهله وتم استقبالهم في قاعة الزوار بدار الاتحاد قال السنهوري لجموع الطلاب الذين حضروا لتحيتهم : قافلة الطلاب في العام الماضي جاءت الى قريتا ومعها أمير هذا وصارت الزيارة حديث السلمة فيما بعد وارجو إذا كانت لكم زيارات أخرى في هذا الصيف أن تكون السلمة جزءا منها وبعد أن خف الجمع اتجه إلى أمير قائلا : يا ابني جاءتنا بنت الفاضلابي بخبر قد أهمنا وهو سبب زيارتي هذه تقول انها سافرت في الإجازة معكم الى بلدكم ووجدت أن لنا صلة رحم قديمة تربطنا بأسرتكم عرفتها من الست والدتك ، والتي أرسلت بهدية لأم نصرة نظنها ترمز الى هذه الصلة القديمة أنا يا ابني السنهوري بن الشيخ الشعراني الاخ الأكبر لأم نصرة رقية ومعنا اختين آخرتين عزيزة وتسكن الآن في ضواحي البطانة ووصال أم هذين الابنين منير وأبي دجانة وقد توفيت يرحمها الله وهما الآن يسكنان هنا في بري وامنا هي المتن بنت الحلاج الرفاعية وهي بنت النجفة ابنة الشيخ البنونه العالم الورع الذي طاف أصقاع السودان في زمانه والنجفة هي الابنة الوحيدة للشيخ من زوجته العطارة الشريفة البيرق يقول الشيخ انه تزوج البيرق من اسرة شريفة لها السيادة في إحدى الإمارات في الغرب ويقول انها حضرت معه لأخذ الطلبة المهاجرين الى تلك الديار لحفظ القرآن الكريم والتفقه في الدين ولكن ظروف الحروبات حالت دون عودتهم فنحن ننسب من جهة امهاتنا ابناء الشيخ البنونه لزوجته العطارة لم يتمالك أمير نفسه فتقطرت دمعاته امام الحضور ونهض إلى خارج القاعة ولحقت به نصرة في الموضأ واضعة كفها على كتفه عد إلى خالك يا أمير رجع امير وجلس مستجمعا وقال : إنما غمرتني دموع الفرحة يا خال، أنا اسمي الطاهر بن الشيخ النعمان شيخ قرية الدرة . وامي هي الشيخة دار السلام بنت عبد القادر المصري . وامها كوكب بنت سعد العطوية . وهي بنت الزرافة بنت بكر . والزرافة هي بنت النجفة ابنة الشريف هاشم والنجفة هي اخت الشريفة البيرق بنت هاشم . وامهن الدرة بنت مالك المسمى عليها قريتنا الآن وهي زوجة الشريف هاشم جدنا الثاني عشر في سلسلة شيوخ الإمارة . وامها تمر الجنان الغزال قال الخال : هذه بشارة ساقها الله على ايديكما انت واختك نصرة ، ارجو ان تبلغ اخوالنا يأتوننا حتى يجتمع الشمل قال : سأفعل وعليكم قبول دعوة الرد وطار الخبر العاجل إلى الدرة يحمل البشرى وأقيمت الذبائح وقال الشيخ ابا فرسة امام الجموع سنجهز وفدا لزيارة أمنا يليق بمقامها وفي الجامعة طالعت صحيفة الراهبات الطلاب بالخبر الداوي اكتشاف صلة الرحم الأسرية للطالبة نصرة بأمير ابن خالتها وتبارت الاعمدة الاجتماعية في تناول الخبر والتحليلات عن الروابط المتشابكة لهذا المجتمع السوداني على الرغم مما يرى من اختلاف السحنات وبعد المسافات وتعمق المحللون في مقارنة الصفات الاجتماعية والانسانية التي تجمع بين الشخصيتين وتساءل الكثيرون هل تستطيع الراهبات تطوير هذا الاكتشاف واستثماره لخدمة الأهداف السامية لهذا المجتمع ، واهابوا بتمليك الاسرار حول علاقة أمير والراهبات إلى جماهير الطلاب باعتبارها انموذجا فريدا للحياة الطلابية الراقية والعلاقات داخل الجامعة وانتهت الامتحانات وظهر النتائج التي حملت في لوحاتها تخرج امير بدرجة الامتياز الأولى واستدعاه عميد الفلسفة في مكتبه مهنئا مبروك هذه النتيجة يا ابني طاهر فهي تتيح لك الفرصة لدراسة السنة الخامسة مرتبة الشرف التي تؤهلك للقبول مساعدا للتدريس في الجامعة وتستطيع ان تواصل مشوار التحضير للماجستير والدكتوراه وعلى نفقة الجامعة انت يا ابني تصلح لان تكون احد اعمدة هذه الكلية وانا شخصيا سأتولى رعايتك واوصي بها وربما ستذهب في بعثة دراسية في الخارج قال : اشكركم اساتذتي الاجلاء فالفضل يرجع إليكم وارجو ان تقبلوا اعتذاري فلدي التزامات اسرية يصعب معها الاستمرار في مواصلة الدراسة في الجامعة قال العميد : طيب يا ابني يمكنك ان تملا استمارة التسجيل وتجمد المواصلة في الدراسة لحين تجد الفرصة المناسبة وسأعمل لك إفادة بالتخرج تساعدك في التوظيف إذا اردت قال : نعم سأفعل قال العميد : يا ابني منظرك لا يوحي بأنك من أسرة محتاجة قال : هم يحتاجون الى رعايتي قال العميد : هل انت ابن أمير كما يقول الطلبة قال : أنا ابن شيخ قرية الدرة قال العميد : يا ابني انا أريد ان اعدك لترعى مصالح الامة وانت تريد ان تذهب لترعى مصالح قرية قال : وهل انما تكون الامة من تلك القرى قال العميد : صدقت والله إنما يحدث التغيير من الاساس ولا فائدة فيما لا أساس له . والصدفة وحدها هي التي تأتي بالقمة التي لا أساس لها . فنحن واجبنا أن نعلم الأجيال ونفرخها في المجتمع لإحداث التغيير ، وكنت آملا أن تكون أنت ضمن هذا الاسطاف زميلتك نصرة هي الأخرى تؤهلها تخرجها لدراسة السنة الخامسة ونيل مرتبة الشرف ولكنها أيضا رفضت هذه الفرصة ربما اهتمام هذا الجيل في اتجاه تشريف مختلف عن زماننا اذهب يوفقك الله وابق على الاتصال قال : وانا مدين الى هذه الرعاية ما حييت استودعكم الله بعد أيام من التخرج حطت الطائرة تحمل وفد الشيخ أبا فرسة وتم استضافتهم في منزل الشيخ علي البرلماني الذي اقام لهم احتفالا جامعا حضره الاحباب في البقعة ولفيف من الأهل والمعارف وتكون وفد زيارة البيرق من سبع عشرة عضوا هم : الشيخ النعمان وزوجته الشيخة دار السلام وابنيها الطاهر وأبو الرخا وبنتها فرسة والتوأمين ابني فرسة وهاجر بنت أبي ارخا وابني أخت الشيخ سراج الدين والكناني ولدم رادس وابن اخيه علي البرلماني والأغبش شيخ الخلوة والتاج ابا لمياء وثلاث شيوخ وامرأة من مجلس الديوان ووصل الوفد الى السلمة التي استقبلتهم عن بكرة ابيها يتقدمهم الشيخ الفاضلابي إمام مسجد القرية ومكث الوفد اسبوعا كان حديث المجتمع في تلك الديار . واقيمت ندوة كبرى في مديرية عطبرة استضافت امير بن الشيخ والسيد سراج الدين الوزير والشيخ علي البرلماني تحدثوا فيها عن التمازج السكاني والعلاقات التاريخية بين المجتمعات السودانية ، والعادات والتقاليد ، والامكانات الطبيعية والبشرية والثروات التي تذخر بها إقليم غرب السودان وخلال الزيارة التقى الوفد العديد من النساب والعارفين لتنقيب سيرة الجدة البيرق والتعرف على فروع الأسرة في ناحية البحر وفيه ايضا زار الشيخ ابا فرسة ووفده المقابر القديمة للترحم واثناء التجول تقدمت الشيخة دار السلام الى ناحية في المقابر ونقرت بإصبعها على معالم حجر قد غاص في التربة قائلة مرقد الشيخة الى جوار البيضة قال امير : نقبوا الحجر وشرع الناس في الحفر وتجمهر اعداد غفيرة في المقابر . وبعد تقليب الحجر الذي كان في شكل البيضة وفي حجم العجل وجد منقوشا فيه بسم الله الرحمن الرحيم هذا قبر المرحومة الشريفة البيرق بنت هاشم آخر سايق التيمان 1288هجرية – ١٨٦٧ ميلادية وعلت أصوات التهليل وخاطب الشيخ النعمان الجموع قائلا لن نقيم تشريفا أكبر مما شرف به الأميرة أهلها . ضعوا الحجر في مكانه وستغرس بنتها شجرة الى جوار مرقدها وشكرا للجميع وارجو ان نتفرق احتراما لحرمة الموتى . وتفرق الجميع في هدوء وفي يوم الجمعة وبعد الصلاة تقدم الشيخ أبا فرسة وابنائه الى المنصة وجلسوا الى جوار الإمام ونهض الأغبش الجهور قائلا : السلام عليكم أيها الاحباب عندنا قران فاشهدوه ، الزوج امير الطاهر بن النعمان والزوجة نصرة بنت الفاضلابي . الصداق المعلوم أربعون بقرة تنية ومائة من الاغنام والعوائد حسب عاداتنا في العشيرة والدعوة عامة للتهنئة بمنزل الشيخ الفاضلابي وتم القران واقيمت احتفالات الفرح التي ادهشت الوفد لونيتها واساليبها الراسخة المعبرة عن اصالة هذا الجزء من السودان وثقافته وقبيل المغيب غادر وفد الشيخ قافلين وتركوا الكناني وزوجته وبنت ابي الرخا لإكمال المراسم واصطحاب أمير وقضى امير واخوانه اسبوعا آخر عند أخوالهم قبل ان يزور تربة جدته مودعا ليسافر برفقة عروسته ووفده والصبي النضر بن الفاضلابي أخو العشيرة الذي أهدياه والداه لابنتهما العروس والتحق امير بوفد والده ليقضوا اسبوعا آخر في الخرطوم لتحط بهم طائرة الجمعة عائدين الى غرب السودان وواصلت فرسة وزوجها وابنيها وابو الرخا وابنته ومجلس الديوان الى الدرة للترتيب لاحتفال التدريج للأمير السابع عشر لإمارة الدرة والذي سيكون بعد شهر من القدوم وبقي امير ووالديه وزوجته وابن الفاضلابي في ضيافة الوزير سراج الدين لترتيب الدعوات وتزينت الدرة عن بكرتها بالملابس الزاهية والأعلام الخضراء فوق أسطح المنازل واستجلب الفا من شتول المانجو المحسنة تم غرسها في المنازل والساحات تخليدا لذكرى الاحتفال واقيم اجتماع الديوان لإقرار التدريج وكتابته وضحى يوم التدريج وقف امير وزوجته في منصة التدريج في الميدان الرئيسي في قلب الدرة وهما متوشحان بالزي الكامل ومن ورائهما والديه واسرته وقد الحق بهم الفتى ابن الفاضلابي امير البحر ومن خلفهم يقف النصب التذكاري العالي يحمل نحتا ضخما لفارس على صهوة جواد رافعا بيمينه مصحفا ويضم بيسراه بيرقا اخضرا من الحرير الناصع يرفرف عاليا فوق النصب وقد كتبت عليه إمارة الشيخ الطاهر وعلى جوانب الميدان اصطفت فرق الخيالة متزينين بالملابس والاعلام الخضراء يتشكلون في سبعة عشر راية في كل راية سبع عشرة فارسا تيمنا بمقدم الامير الجديد ومن خلف المنصة يقع مبنى الضيافة الفسيح الذي تفننت أيادي الدرة في تشييدها من المواد المحلية والمفارش والزين وامتلأ الميدان عن جنباته بالجماهير الغفيرة الرجال والنساء والاطفال والغلمان المتزينين بالملابس والأعلام الخضراء الذين اتوا من كل فج عميق من الدرة ومن المناطق البعيدة الاخرى للمشاركة في هذه المناسبة وجاء الاغبش ووفده من سبع عشرة شيخا ومائة من الغلمان ومثلهم من الجواري الذين اكملوا حفظ القران الكريم وجلسوا على مفارشهم في مقدمة الجماهير وهم يهللون ويضربون الدفوف ولاح موكب الزوار قادما يتصدرهم حاكم الاقليم ، وسلطان مقاطعة ميدقري ووفده من نيجيريا ، والسلطان الشاب إبراهيم أبو جدو سلطان وداي ووفده من أبيشي ، ووفد كيان الانصار والسادة الختمية وجبهة الميثاق ، ووفد البرلمان القومي ، ووفد إذاعة ام درمان ، ووفد الفاضلابي من الشمالية ، والسلاطين والشراتى والامراء ، ولفيف من المسئولين والاعيان وتم التدريج وتقدم حاكم الإقليم ومعه سلطان ميدقري والسلطان أبو جدو وألبسوا الأمير التاج والوشاح وتقدمت زوجات السلاطين والميارم ودرجتا الاميرة نصرة وخاطب الحاكم الجماهير الغفيرة معددا مآثر هذه الأسرة ودورها في دعم التمازج الاجتماعي والإخاء وخدمة العمل الوطني ودورها في خدمة اهل القرآن عبر القرون وتحدث سلطان ارولا ومعه سلطان وداي متناولان الجذور التاريخية والممالك التي نشأت في إفريقيا عبر القرون وإرثها واهمية تواصل ذلك التراث التاريخي للأجداد اجيالا وراء اجيال وتحدث امير الدرة الجديد محييا تاريخ أجداده العظماء في إفريقيا إمبراطورية كانم ومملكة وداي الإسلامية ومملكة الفولاني ومملكة الهوسا والماوماو في كينيا وممالك الداجو والتنجر والفور قائلا وما هؤلاء الذين ترونهم أمامكم سوى عقدا من تلك السلالة الفريدة لعظماء هذه القارة . وحيا الدور الرشيد للحاكم ورعايته للمناشط الاهلية والاجتماعية في الاقليم . وحيا الزعماء السياسيين وقادة الإدارة الأهلية وعدد مآثرهم ودورهم في ربط الإخاء والتعايش بين مكونات هذا الوطن وقال إنما أنا ابن لهم جميعا وحيا أباه وامه وعشيرته على تكريمهم له بهذا التدريج وأعلن ان الاحتفالات ستمتد لثلاثة أيام بهذه المناسبة وانتهت المخاطبة وتقدم سلطان ارولا بهداياه إلى الأمير وهي مصحفا بخط اليد وفلوا احضروه معهم يقولون بانه من سلالة خيل ترجع الى ايام مملكة كانم ودرعا من النحاس يحمل عضوية تشريفية لعائلة السلطان في نيجيريا . وتقدم سلطان وداي واهدى سيفا من الذهب وابريقا من الفضة ومصلاة من الحرير وجواهر للأميرة ، وقد اندهش الجميع لعبارات الشكر البليغة التي قدمتها الاميرة نصرة باللغة الفرنسية وتفرغ بعدها الوفد للضيافة واخذ الراحة وخرج تيم الإذاعة للتجول في نواحي القرية واول ما لفت انتباههم مناظر المشاتل الجديدة لشجرة المانجو التي عمت مناحي القرية ومناظر أزيار الماء الفخارية بألوانها واكوابها الخضراء وقداح الطعام المغطاة بالبراتيل المزركشة المصنوعة من النايلون أمام منازل السكان في مشاهد لا يكاد يخلو منها بيت واحد كما لفت انتباههم خلو القرية تماما من الحيوانات الأليفة التي تم إخراجها الى خارج القرية وحفظ الدواجن داخل الاقفاص حفاظا على صحة البيئة ونظافة القرية .ومناظر النساء الاطفال بالأزياء والاعلام الخضراء وهم يجوبون الشوارع مهنئين تحت رعاية المعلمين وشيوخ الخلوة ومهرجانات سباق الخيل في ساحة النقعة وانواع الفاكهة والعطور التي تقدم احتفالا بهذه المناسبة وعند العصر شرف وفد الإذاعة احتفالات الختان لمائة طفل وطفلة تحت رعاية اطباء حضروا من المدينة تخليدا لذكرى المناسبة وغادرت الوفود الرسمية المنطقة قبيل المغرب وبختام الاحتفالات وانتهاء زيارات الوفود التي استمرت لشهر شرع الأمير الجديد في مزاولة مسئوليته القيادية في الاسرة استهلها بوضع حجر الاساس لستة عشر قرية فرعية هن بنات الدرة واختار لكل واحدة شيخا من الأسرة يشرف على نشأتها ويرعى تطورها ويسجل ذلك في الديوان وعين مجلسا من ثلاثين عضوا برئاسته لرعاية نهضة وتطوير الإمارة ، وطور مجلس الديوان في بنائه ووظائفه وبدا بالتخطيط لتطوير إمارة نموذجية من سبعة عشر قرية تحيي ذكرى العظماء من أجداده الذين تحكى عنهم الروايات والاساطير وانشأ خطة لإعادة ترسيم وتخطيط الديار التي تقع تحت ملكية العشيرة القرى والمزارع والمراعي والطرق الرابطة والمسايل المائية واعاد تخطيط قرية الدرة حاضرة الإمارة وتخطيط القرى الفرعية والتي سميت بأسماء الرموز الذين تعاقبوا على زعامة العشيرة والاميرات اللاتي خلدهن الديوان وهي القرى : الشيخ الطاهر ، حلة بكر ، الشيخ مالك ، أولاد الجزولي ، الشريف هاشم ، أبو الرخا ، زرافة ، الشيخ البدوي ، المقني ، ابن الفاضلابي ، تمر الجنان ، الشريفة البيرق ، فضل واسع ، فرسة ، النجفة ، وزريبة النعمان وهن بنات الدرة وبدعوة تقدم بها وفد الماني زار الأمير مقاطعة ساكسونيا السفلى والتقى بالحاكم فيها الذي وافق على رعاية ودعم الخطة لإنشاء إمارة الدرة النموذجية وجاء وفد خبراء ساكسونيا ليضع مشروعا متكاملا لنهضة ريفية تشمل دراسات لتطوير البيئة السكانية والتنمية الزراعية والحيوانية ومشروع السوق النموذجي لتجارة الماشية وزار الأمير نيجيريا التقى آبائه في مقاطعة ارولا ، المايا سلطان ميدقري وشيخ الطريقة التجانية الذين تكفلا ببناء معهد الشيخ احمد التجاني لعلوم القرآن بالدرة . واستقطب المعونات من الدول والمنظمات والخيرين للمساهمة في مجالات التنمية المختلفة وفي سنوات قليلة صارت الدرة حديث المجتمع في غرب السودان واخذ الركبان والمسافرين يتحدثون عن الإمارة الخضراء وإمارة المانجو وجابت قوافل أبي الرخا التجارية الإقليم موصلا منتجات الدرة حتى تخوم الصحراء وجنوبا الى ما وراء البحر وشرقا الى مدن القوز في كردفان ، واصبحت الكثير من المناطق تكاد تعتمد كليا في الحصول على احتياجاتها من المحاصيل والبقول والخضر والفاكهة والمواشي من منتجات الدرة ولا تزال تذكر مدينة نيالا قصة ذلك الرجل الذي حضر الى السوق بعربته اللوري ماركة فورد محملة بشحنة البصل وتسابق التجار اليه كل يقدم عرضه في يوم شهد ندرة في البصل وغلاءا في ثمنه فما كان من الرجل إلا أن حمل إناءا وصعد الى ظهر اللوري وصاح بعبارته المشهورة بقى بصفر بقى بصفر بقى بصفر وتدافع الناس ليوزع ابو الرخا الشحنة مجانا ويتحرك خارجا من السوق . ومنها جاءت المقولة الشهيرة للتجار نبايعك بيعة أبي الرخا للبصل وكذلك قصة تاجر البطيخ الذي جاء الى ابي الرخا مستأجرا عربته لنقل شحنته من الدرة الى زريبة الفاشر . وعندما قيل له سعر الترحيل قال أرخيها يا أبا هاجر . قال له انت وبضاعتك مجانا انشاء الله . وفور وصولهم الى الزريبة صاح ابو الرخا بعبارته المشهورة ليوزع شحنة البطيخ مجانا ووضع يده على راس صاحب البطيخ صائحا بقى بصفر بقى بصفر ومن ذلك صار اسم البطيخ مائدة أبي الرخا في تلك الناحية واقترن سيرة الرجل في الديوان بهذه اللونية واصبح شائعا أن يصيح التاجر في بضاعته ليوزعها مجانا كنوع من التصدق وذات مرة جاء بدوي من الفرقان المجاورة الى زريبة الماشية في يوم السوق . وفي نهاية اليوم عندما رأى ابا الرخا مارا سأل من هذا الرجل ؟ قالوا له ابو الرخا ابن الشيخ فصاح في ثلاث نعجات له بقى بصفر بقى بصفر بقى بصفر ولم يتقدم احد لأخذها فاستغرب وسأل ؟ قال له شخص يا هذا ابو الرخا لا يهدي نعيجات فشلن في مسابقة التسوق فأصبحت حكمة متداولة كما شهدت تلك الايام سجالات شيوخ المعهد واختلافهم حول جوانب من زكاة الزروع وفتاوى بنت ابي الرخا كيلة في ريكة من البصل والليمون والقياس على ذلك في الامثال وامتدت نشاطات الامير العمرانية واشترى قطعة سكنية أخرى في ضاحية المدينة مائة الف متر مربع قام بتسويرها ووضع عليها يافطة ضيافة حرة لأهل الدرة واصبحت هي المحطة الاولى للقادمين الى المدينة للتسوق والخارجين منها من أهل الدرة وتعمقت صلات الامير باهله وازدادت محبتهم إليه والى اسرته الذين اضحوا يرونهم كصالحين تجري على أيديهم البركات وقد تجلى ذلك في احتفالات الدرة بمناسبة ختان نجلي الامير البيرق وهاشم في صحبة المائتي صبي وصبية . وفي وفاة الشيخة أم الفقراء والدة الامير وفي الليلة التي دفنت فيها حضر الاغبش معه مائة وأربع عشرة رجلا من حملة القرآن جثوا على المقبرة يبتهلون بالدعاء الى بزوغ الفجر سائلين المولى ان يتغمد امهم بواسع رحمته ويشملها بالرعاية كما كانت ترعاهم . وفي الليلة التالية جاءت مائة جارية وقفن يقسمن على المولى بما حباهن الله وحفظنها ان يغمر امهن بمحبته ويتكفلها برحمته كما كانت ترحمهن وهكذا استمرت الدرة … ولكن الحياة بطبيعتها لا تسير على منوال واحد . والأمم من الناحية التاريخية تمر بحالات من التحضر والبداوة بشكل دوري مستمر مكونة في ذات الوقت تجمعات حضرية وريفية فقد تسنم مقاليد الأمور في البلاد في نهايات القرن العشرين وبدايات الالفية الجديدة ، قادة يفتقرون إلى أدنى مقومات القيادة الرشيدة . وجاء إلى سدة الحكم فتى بني امية الجديد وصحيح ما قاله عميد الفلسفة ، فالصدفة وحدها هي التي قد تأتي بالقمة التي لا قاعدة لها يقول الفتى في إحدى خطبه البطراء : وعليه فإننا نعلن ونؤكد ونهتف بأنه من الضروري لكل مخلوق فرد ان يخضع نفسه لسلطان هذه الدولة ولشخص سيد الأسياد صاحب الحق الذي ليس مسئولا أمام أحد الا الله وحده ، وان الجميع مسئولين امامه وهو الذي له كل الحق في إصدار المواثيق والقوانين ، وأيضا في تفسير وإعلان وتعديل هذه القوانين حسب ما وعندما يرى ذلك . كما هو معروف في المثل الشايع إرادة الرئيس يتم نفاذها من خلال القانون وفي أشد الفترات ضراوة وقسوة في تاريخ السودان برز الفتى يقسم الناس إلى أصليين وفرعيين وتابعين ووافدين واحرار وعبيد ، زاعما بان الأجداد قد فرطوا واهملوا حراسة الوطن من تسلل الإماء والوافدين وانه لابد من إعادة تحديد السكان الأصليين وطرد الدخلاء الى حيث جاءوا وجيش الجحافل من ضعاف النفوس وقصيري النظر وشذاذ الآفاق لتعكير العلاقات ودق أسافين الكراهية والبغضاء وذهب يدغدغ مشاعر الأحلاف ممن يشبهونه في هذه السلوك والافكار وبدأت حملات التنظيف وصالت الجحافل ماسحة القرى والفرقان لطرد الوافدين من نواحي إفريقيا الذين تسللوا واستوطنوا في غفلة من الأزمان الغابرة وذات يوم صحت الدرة لتجد نفسها في مهب الريح اصوات الطائرات المغيرة وهدير المدافع والقصف الرعديد والكتائب العسكرية فرسان التطهير وتسابق الناس الى الشعاب والجروف ، وطار فرسان القرية الى الثغور ، ومضى يوم عصيب من المواجهة وبينما الأمير في ناحية من القرية يوجه للدفاع ويوزع الأدوار . جاء فارس مسرعا وقف امامه فلم يعرفه قال : من الفارس . ترجل وقال : جوهرة قال الامير : بنت الكناني . ماذا جرى قالت : لله ما اخذ ولله ما ابقى . استشهد أبي واستشهد عمي أبو الرخا على تلال زرافة إثر قذيفة من طائرة . واعتلت صهوة الجواد قائلة وسنعدل ميزان السروج وغادرت مسرعة استرجع الامير والدموع تذرف إنا لله وإنا إليه راجعون ابن الأم وابن العمة ثم هتف قائلا : ليجتمع اهل الديوان والاعيان حاضرا . وكرر وعند حضور القوم وقف فيهم قائلا بصوت متقطع : ايها القوم الامبراطوريات تقوم وتسقط والاجناس تتدهور الى اضمحلال والقوة تنقلب الى ضعف وخوار والجمال يذوي الى تجاعيد وشعر أشيب ولكن الحياة تمضي في مسيرتها الازلية لا يحدها حدود ولا يغلبها فناء لقد شهدت المعمور قيام امبراطوريات عاتية وأجناسا أشداء العزم ومثاليات متعالية وجمالا نقيا طليعا وهكذا فإن أنبوب الموت يجري متوازيا مع تفجر ينابيع الخصب ودفق الحياة إن خراب الدرة يمثل خسارة كبرى للحضارة الإنسانية أبناؤكم أبلوا بلاءا منقطع النظير وواجهوا الأعداء بصدور عارية غرقت الدرة واحترق الرخا تموت الدرة ويبقى أهل الدرة وضج الناس بالبكاء وصمت قليلا ثم قال : البكاء ليس هو الحل سندفن الشهداء ونخرج في جنح الظلام لا تحملوا الا الزاد والسترة وما خف حتى ينشغل الاعداء بالغنائم سأتكفل انا بحماية التاريخ ويتولى الفرسان المساعدة والسقيا حتى تنزلوا والحق لابد ان يعود ولو بعد حين وخربت الدرة … ودخلتها الجحافل لتحيلها إلى أطلال بالية ولم تنج حتى السدود والمقابر واشجار المانجو الظليلة فقد اطهرتها الجحافل واعادتها الى دولة الأمويين الرشيدة وزحف الاهالي الى وجهة النزوح الجديدة وهي ضيافة اهل الدرة الى جوار المدينة والتي انشاها الأمير تحسبا لمثل هذه الحالات الطارئة وبعد الوصول وترتيب المنازل وإصلاح أحوال المرضى والمصابين جمع امير اهله ووقف فيهم قائلا : الحمد لله على كل حال ويرحم الله من مضى منا شهيدا صدقت نبوءة جدكم . عمرت الدرة إعمارا عظيما . وها هي النكبة وستكون الهبة بإذن الله أخلف فيكم ابني الامير هاشم بن الطاهر ويتعهده السادة مجلس الديوان بالرعاية لحين يشتد ساعده وستتولى فرسة وام البيرق رعاية احوال الناس ومعايشهم والاموال والاملاك وقفا لأهل الدرة وصمت قليلا ثم قال : صحيح إنما يكون إصلاح الأمة من القمة اعاهدكم سأتفرغ منذ اليوم لرعاية مصالح الأمة واعتلى السرج وسارع الثوار إلى خيولهم ووقف فيهم القائد قائلا لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق إلى جوانبه الدم وانطلق غائصا في الغابة وهو يقول الهبة يا رجال الهبة يا رجال ظهرت المقالة حكاية تحت ظل سرحاية…للكاتب :نقدالله خليل احمد أولاً على حركة العدل و المساواة السودانية.